صفحة رقم ٥٨٣
أحسن الأشياء فيكفي في الدعاء إليه أدنى تنبيه لأنه الاعتراف بالحق لمن هو له، فيجعل مكان الإجابة افتراء الكذب في تلك الحالة الحسنى.
ولما كان التقدير : فهو لا يهديه الله لأجل ظلمه، عطف عليه قوله :( والله ) أي الذي له الأمر كله فلا أمر لأحد معه ) لا يهدي القوم ) أي لا يخلق الهداية في قلوب من فيهم قوة المحاولة للأمور الصعاب ) الظالمين ) أي الذين يخبطون في عقولهم خبط من هو في الظلام.
ولما أخبر عن درهم للرسالة، علله بقوله :( يريدون ) أي يوقعون إرادة ردهم للرسالة بافترائهم ) ليطفئوا ) أي لاجل أن يطفئوا ) نور الله ) أي الملك الذي لا شيء يكافيه ) بأفواههم ) أي بما يقولون من الكذب لا منشأ له غير الأفواه لأنه لا اعتقاد له في القلوب لكونه لا يتخيله عاقل، فهم في ذلك كالنافخين في الشمس إرادة أن يمحو نفخهم عينها وينقص شينهم زينها، فمثل إرادتهم لإخفاء القرآن بتكذيبهم وجميع كيدهم بمن يريد إطفاء الشمس بنفخه فهو في أجهد وأضل الضلال :
وفي تعب من يسحد الشمس ضوءها ويجهد أن يأتي لها بضريب
فأفاد قصر الفعل أن إرادتهم كلها مصورفة لهذا الغرض وأنه لا إرادة لهم غير ذلك وأنه لا ينبغي أن يكون لهم إرادة لأنهم عبيد، والإرادة لا ينبغي إلا للسيد ليكون إرادة العبد تابعة لها، فتكون امتثالاً لإرادته، فكأنه لا إرادة له، فهو أبلغ مما في براءة لأن هذه نتيجتها.
ولما أخبر بعلة إرادتهم وأشار إلى وهي أمرهم بعد أن أخبر بردهم للحق وجرأ عليهم بالإخبار بإضلالهم، زاد ذلك بقوله مظهرا غير مضمر تنبيهاً على جميع صفات الجلال والإكرام :( والله ) أي الذي لا مدافع له لتمام عظمته.
ولما كانت هذه السورة نتيجة سورة براءة التي أخبر فيها بأنه يأبى إلا إتمام نوره، أخبر في هذه بنتيجة ذلك وهي ثبات تمام النور ودوامه، لأن هذا شأن الملك الذي لا كفوء له إذا أراد شيئاً فكيف إذا أرسل رسولاً فقال :( متم ( وهذا المعنى يؤيد قول الجمهور أنها مدينة بعد التأييذ بذكر الجهاد، فإن فرضه كان بعد الهجرة من والظاهر نم ترتيبها على الممتحنة التي نزلت في غزوة الفتح أنها بعد براءة في النزول أيضاً.
ولما كان النور لإظهار صور الأشياء بعد انطماسها سبباً لوضع الأشياء في أتقن مواضعها، وكان ما اتى من عند الله من العلم كذلك، جعل عينه فأطلق عليه اسمه فقال :( نوره ( فلا يضره ستر أحد له بتكذيبه ولا إرادة إطفائه، وزاد ذلك بقوله :( ولو