صفحة رقم ٥٩٢
سبحانه نفسه عن ذلك ثم قال :
٧٧ ( ) هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم ( ) ٧
[ الجمعة : ٢ ] إلى قوله :
٧٧ ( ) ذو الفضل العظيم ( ) ٧
[ الجمعة : ٤ ] ثم أعلم تعالى بحال طائفة لاح لهم نور الهدى ووضح لها سبيل الحق فعميت عن ذلك وارتبكت في ظلمات جهلها ولم تزدد بما حملت إلا حيرة وضلالة فقال تعالى :
٧٧ ( ) مثل الذي حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفاراً ( ) ٧
[ الجمعة : ٥ ] الآيات وهي في معرض التنبيه لمن تقدم الثناء عليه ورحمه الله إياه لئلا يكونوا فيما يتلو عليهم نبيهم من الآيات ويعلمهم من الكتاب والحكمة مثل أولئك الممتحنين، فإنهم مقتوا ولعنوا بعد حملهم التوراة، وزعموا أنهم حمله والوفاء به فوعظ هؤلاء بمثالهم لطفاً من الله لهذه الأمة ) وما يتذكر إلا أولوا الألباب ( انتهى.
ولما كانت القدرة على تزكية الجلف الجافي بحمله على التنزيه أدل على القدرة على غيره، وكان قد أسلف عن بني إسرائيل أنهم لم يقبلوا التزكية بل زاغوا، دل على قدرته في عزته وحكمته وملكه وقدسه على تزكية جميع العقلاء بقوله :( هو ) أي وحده ) الذي بعث ) أي من حضرة غيب غيبه بشرع أوامره ونواهيه ) في الأميين ) أي العرب لأنهم كانوا معروفين من بين سائر الأمم لا يكتبون بل هم على الخلقة الأولى حين الخروج من بطن الأم، وذكر ظرف البعث وإهمال غياته دال على أنها كل من يتأتى البعث إليه وهم جميع الخلق، ويجوز أن تطلق الأمية على جميع أهل الأرض لأن بعثه ( ﷺ ) كان حين ذهب العلم من الناس، ولأن العرب أصل فجميع الباقين تبع لهم، فلا بدع أن يحمل عليهم وصفهم ) رسولاً ( ولما كان تقويم الشيء بمثله أعجب قال :( منهم ( بل الأمة بمعنى عدم الكتابة والتجرد عن كل تكلف وصف لازم له دائماً وعلمه لما يكن يعلم من غير تطلب، فكانت آصار البشرية عند مندرسة، وأنوار الحقائق بعث فيهم أقرب إلى مساواتهم له لو أمكنهم، بالكتب لأن منشأ مشاكلته لحال من الإعجاز، وذكر بعثه منهم إن خص الوصف بالعرب لا ينفي بعثه إلى غيرهم ولا سيما مع ما ورد فيه من الصرائح وأثبته من الدلائل القواطع، فذكر موضع البعث وابتداءه فتكون الغاية مطلقةن تقديرها : إلى عامة الخلق.
ولما كان كونه منهم مفهماً لأنه لا يزيد عليهم من حيث كونه منهم وإن زاد فبشيء يسير، عجب من أمره ونبه على معجزة عظيمة له بقوله مستأنفاً :( يتلوا ) أي يقرأ قراءة يتبع بعضها بعضاً على وجه الكثرة والعلو والرفعة ) عليهم ( مع كونه أمياً مثلهم ) آياته ) أي يأتيهم بها على سبيل التجدد والمواصلة آية بينة على صدقه لأنه أمي مثلهم بل فيهم