صفحة رقم ٦٠٢
الذي له كل كمال ولا يجب لأحد عليه شيء بالبيع والشراء وغيرهما من مصالح الدين والدنيا التي كنتم نهيتم عنها.
ولما كان السعي في طلب الرزق ملهياً عن الذكر، بين أنه أعظم السعي في المعاش وأن من غفل عنه لم ينجح له مقصد وإن تحايل له بكل الحيل وغير ذلك فقال :( واذكروا الله ) أي الذي بيده كل شيء ولا شيء لغيره فإنه لا رخصة في ترك ذكره أصلاً.
ولما كان العبد مطلوباً بالعبادة في كل حال فإنه مجبول على النسيان، فمهما فتر عن نفسه استولت عليها الغفلة فمرنت على البطالة فهلكت قال :( كثيراً ) أي بحث لا تغفلوا عنه بقلوبكم أصلاً ولا بألسنتكم حتى عند الدخول إلى الخلاء وعند أول الجماع وعند الإنزال، واستثنى من اللساني وقت التلبس بالقذر كالكون في قضاء الحاجة.
ولما كان مراد الإنسان من جميع تصرفاته الفوز بمراداته قال معللاً لهذا الأمر :( لعلكم تفلحون ) أي لتكونوا عند الناظر لكم والمطلع عليكم من أمثالكم ممن يجهل العواقب على رجاء من أن تظفروا بجميع مطلوباتكم، فإن الأمور كلها بيد من تكثرون ذكره، وهو عالم بمن يستحق الفلاح فيسعفه به وبمن عمل رياء ونحوه فيخيبه، فإذا امتثلتم أمره كان جديراً بتنويلكم ما تريدون، وإن نسيتموه كنتم جديرين بأن يكلكم إلى أنفسكم فتهلكوا.
ولما كان التقدير مما ينطق به نص الخطاب : هذه أوامرنا الشريفة وتقديساتنا العظيمة وتفضلاتنا الكريمة العميمة، فما لهم إذا نودي لها توانى بعضهم في الإقبال إليها، وكان قلبه متوجهاً نحو البيع ونحوه من الأمور الدنيوية عاكفاً عليها ساعياً بجهده إليها فخالف قوله أنه أسلم لرب العالمين فعله هذا، عطف عليه قوله :( وإذا رأوا ) أي بعد الوصول إلى موطنها المريح ومحلها الفسيح الشرح المليح، والاشتغال بأنها العالي ) تجارة ) أي حمولاً هي موضع للتجارة.
ولما ذكر ما من شأنه إقامة المعاش أتبعه ما هو أنزل منه وهو ما أقل شؤونه البطالة التي لا يجنح إليها ذو قدر ولا يلقي لها باله فقال :( أول لهواً ) أي ما يلهي عن كل نافع.
ولما كان مطلق الانفضاض قبيحاً لأنه لا يكون إلا تقرباً على حال سيئ، فض الفم والطلع : كسرهما، فكيف إذا كانت علته قبيحة، قال تعالى معبراً به :( انفضوا ) أي نفروا متفرقين من العجلة.
ولما كان سبب نزول الآية أنه اكن أصاب الناس جوع وجهد، فقد دحية الكلبي رحمه الله تعالى بعير تحمل الميرة، وكان في عرفهم أن يدخلوا في مثل ذلك بالطبل والمعازف والصياح، وكان قصد بعض المنفضين العير، وبعضهم ما قارنها من اللهو،


الصفحة التالية
Icon