صفحة رقم ٦٠٩
هو ظاهر العبارة بمطابقة اللسان للقلب، قال معبراً بأداة الشك إشارة إلى أنهم لا يكلمونه ( ﷺ ) إلا اضطراراً لأنهم لا يحبون مكالمته ولا باعث لهم عليها لما عندهم من أمراض القلوب :( وإن يقولوا ) أي يوجد منهم قول في وقت من الأوقات ) تسمع لقولهم ) أي لأنه يكون بحيث يلذذ السمع ويروق الفكر لما فيه من الادهان مع الفصاحة فهو يأخذ بمجامع القلب.
ولما اخبر عن ظاهرهم، دل على أن ذلك الظاهر أمر لا حقيقة له، أنهم لما وطنوا أنفسهم على الوقاحة وخلعوا لباس الحياء بالكذب بذلوا جميع الجهد في تحسين القول لأنه لا درك عليهم فيه فيما يحسبون بوجه لأنهم لا يحسبون للآخرة حساباً فقال :( كأنهم ) أي في حسن ظواهرهم وسوء بواطنهم وفي الجبن والخور وعدم الانتفاع بهم في شيء من فهم أو ثبات فإنهم لا حقيقة لهم ) خشب ( ن جمع كثرة لخشبة وهو دليل على كثرتهم.
ولما كان الخشب ربما أطلق على المغروس، نفى ذلك بقوله منبهاً بالتشديد على الكثرة :( مسندة ) أي قد قطعت من مغارسها وقشرت وأسندت إلى الجدر لئلا يفسدها التراب، فهي بيض تلوح تعجب ناظرها ولا ثبات لها ولا باطن بثمرة ولا سقي فلا مدد سماوي لها أصلاً يزكيها نوع زكاء فقد فقدت روح الإثبات الذي به كمالها كما فقد المنافق روح الذي به كمال الناطق وبقاؤه، فهم في تلك الحالة أشباح بلا أرواح أجسام بلا أحلام.
ولما كان من يقول ما لا يفعل يصير متهماً لكل من يكلمه، لأنه لإخلافه له قد صار عدوه فيتوهم الناس كلهم أعداء له فيكسبه ذلك أشد الجبن، وذلك هو السبب الأعظم في تحسين قوله، قال :( يحسبون ) أي لضعف عقولهم وكثرة ارتيابهم لكثرة ما يباشرون من سوء أعمالهم ) كل صيحة ) أي من نداء مناد في انفلات دابة أو إنشاد ضالة، ونحو ذلك ) عليهم ) أي واقعة.
ولما كان من يظن عداوة الناس له يكون هو عدواً لهم، قال نتيجة ما مضى :( هم ) أي خاصة ) العدو ) أي كامل العداوة بما دل عليه الإخبار بالمفرد الذي يقع على الجمع دون الجمع إشارة إلى أنهم - في شدة عداوتهم للاسلام وأهله وكمال قصدهم وشدة سعيهم فيه - على قلب واحد وإن أظهروا التودد في الكلام والتقرب به إلى أهل الإسلام، فإن ألسنتهم معكم إذا لقوكم، وقلوبهم عليكم مع أعدائكم، فهو عيون لهم عليكم.
ولما بين ذلك من سوء أحوالهم سبب عنه قوله :( فاحذرهم ( لأن أعدى الأعداء العدو المداحي الذي يكاشرك وتحت ظلوعه الداء الدوي، فإن من استشعر أنك عدو له بغى لك الغوائل، وأغلب من يعجبك قوله على هذا الوصف يكون، ولكنه يكون بلطف الله


الصفحة التالية
Icon