صفحة رقم ٦٧
ولما كان أكثرهم منكراً لما لزمه القطع به بهذا البرهان الزاهر والسلطان الظاهر القاهر عناداً ولدداً وإن كان باطنه على غير ذلك، فكان فعله فعل الشاك اللاعب، كان التقدير لأجل ما يظهر من حالهم : لكنكم غير موقنين لعلم من العلوم، بنى عليه قوله مع الصرف إلى الغيبة إعراضاً عنهم أيذاناً بالغضب، وأنهم أهل للمعاجلة بالعطب :( بل هم ) أي بضمائرهم ) في شك ( لأنهم لا يجردون أنفسهم من شوائب المكدرات لصفاء العلم، ثم أعلم نبيه ( ﷺ ) أن الشاغل لهم عن هذا المهم حال الصبيان مع ادعائهم الكمال بأخلاق الأجلاء من الرجال فقال :( يلعبون ) أي فعلون دائماً فعل التارك لما هو فيه من أجد الجد الذي لا مرية فيه اللعب الذي لا فائدة فيه ولا ثمرة له بوجه بعد فعل الشاك بالإعراض وعدم الإسراع إلى التصديق والإيقاظ.
ولما كان هذا موضع أن يقول الرسول ( ﷺ ) المفهوم من السياق : فماذا صنع فيهم بعد هذا البيان، الذي لم يدع لبساً لإنسان ؟ سبب عن ذلك قوله تسلية له وتهديداً لهم :( فارتقب ) أي انتظر بكل جهد عالياً عليم نظاراً لأحوالهم نظر من هو حارس لها، متحفظاً من مثلها بهمة كهمة الأسد الأرقب، والفعل متعد ولكنه قصر تهويلاً لذهاب الوهم في مفعوله كل مذهب، ولعل المراد في الأصل ما يحصل من أسباب نصرك وموجبات خذلانهم ) يوم تأتي السماء ) أي فيما يخيل للعين لما يغشي البصر من شدة الجهد بالجوع إن كان المراد ما حصل لهم من المجاعة الناشئة عن القحط الذي سببه قوله ( ﷺ ) ( اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف ) وروي في الصحيح أن الرجل منهم كان يرى ما بين السماء والأرض كهيئة الدخان، وفي الواقع أن المراد عند قرب الساعة وعقب قيامها، فإنه ورد أنه يأتي إذ ذاك فيغشي الناس ويحصل للمؤمن منه كهيئة الزكان، ويجوز أن يكون المراد أعم من ذلك كله وأوله وقت القحط وكان آية على ما بعده، أو منه ما يأتي عند خروج الدخان من القحط الذي يحصل قبله أو غيره كما قال رسول الله ( ﷺ ) :( إني قد خبأت لك خبأ فما هو ؟ ) قال : الدخ، ففسر بالدخان، فلذلك قال تعالى :( بدخان مبين ) أي واضح لا لبس فيه عند رائية ومبين لما سواه من الآيات للفطن ) يغشى الناس ) أي المهددين بهذا، وهم الذين رضوا بحضيض النوس والاضطراب عن أوج الثبات في رتبة الصواب، روى مسلم في صحيحه عن أبي


الصفحة التالية
Icon