صفحة رقم ٧٨
تبع ) أي الذين ملك بهم تبع الأرض بطولها والعرض وحيرة الحيرة وبنى قصر سمرقند وكان مؤمناً، وقومه حمير ومن تبعهم أقرب المهلكين إلى قريش زماناً ومكاناً.
وكان له بمكة المشرفة ما ليس لغيره من الآثار، وقال الرازي في اللوامع : هو أول من كسا البيت ونحر بالشعب ستة آلاف بدنة وأقام به ستة أيام وطاف به وحلق.
وقال البغوي بعد أن ذكر قصته مع الأنصار لما قتل ابنه غيلة بالمدينة الشريفة وما وعظته به اليهود في الكف عن إخراب المدينة لأنها مهاجر نبي من قريش : فصدقهم وتبع دينهم، وذلك قبل نسخه، وقال عن الرقاشي : آمن تبع بالنبي ( ﷺ ) قبل أن يبعث بسبعمائة عام، وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : لا تسبوا تبعاً فإنه كان رجلاً صالحاً.
ولما كان ذلك في سياق التهديد بالإهلاك لأجل مخالفتهم، وكان الإهلاك لذلك إنما كان لبعض من تقدم زمانهم لا لجميع الخلق، أدخل الجار فقال :( والذين من قبلهم ) أي من مشاهير الأمر كمدين وأصحاب الأيكة والرس وثمود وعاد.
ولما كان كأنه قيل : ما لهؤلاء الأمم ؟ قيل :( أهلكناهم ) أي بعظمتنا وإن كانوا عظماء لا يشعرهم هؤلاء فيما لهم من المكنة لقطعهم من أمر الله به أو يوصل من الرسل وأتباعهم، وتكذيبهم بما أتوا به، ولذلك علل الإهلاك تحذيراً للعرب بقوله مؤكداً لظنهم أن هلاكهم إنما هو على عادة الدهر :( إنهم كانوا ) أي جبلة وطبعاً ) مجرمين ) أي عريقين في الإجرام، فليحذر هؤلاء إذا ارتكبوا مثل أفعالهم من مثل حالهم وأن يحل بهم ما حل بهم.
الدخان :( ٣٨ - ٤٥ ) وما خلقنا السماوات.....
) وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاَعِبِينَ مَا خَلَقْنَاهُمَآ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ يَوْمَ لاَ يُغْنِي مَوْلًى عَن مَّوْلًى شَيْئاً وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ إِلاَّ مَن رَّحِمَ اللَّهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعَامُ الأَثِيمِ كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ ( ( )
ولما كان التقدير للاستدلال على الجزاء الذي جامعه التكفل بجميع أنحائه يوم القيامة : فإنا ما خلقنا الناس عبثاً يبغي بعضهم على بعض ثم لا يؤاخذون، عطف عليه ما هو أكبر في الظاهر منه فقال :( وما خلقنا السماوات ) أي على عظمها واتساع كل واحدة منها واحتوائها لما تحتها، وجمعها لأن العمل كلما زاد كان أبعد من العبث مع أن إدراك تعددها مما يقتضي المشاهدة بما فيها من الكواكب، ووحد في سورة الأنبياء تخصيصاً بما يتحقق المكذبون بالبعث رؤيته لما ذكر هناك من اختصاص ( لدن ) بما بطن.


الصفحة التالية
Icon