صفحة رقم ٨٧
) لعلهم يتذكرون ) أي ليكونوا عند من يراهم وهو عارف بلسانهم ممن شأنه كشأنهم على رجاء من أن يتذكروا أن هذا القرآن شاهد بإعجازه بصحة ما فيه من التوحيد والرسالة وغيرهما مما سبق إليك وجلى عليك وإلا لقدروا هم وهم أفصح الناس على معارضة شيء منه فيتذكروا ما غفلوا عنه من أنه عزيز بإهلاكه الجبابرة، وأنه حكيم بنصبه الآيات لأنبيائه وتأييدهم بالمعجزات، ومن أن الكبير منهم لا يرضى أن يطعن أحد في كبريائه ولا أن يترك من له عليه حكم وهو تحت قهره أن يبغي بعضهم على بعض ثم لا ينصر المظلوم منهم على ظالمه ويأخذ بيده حتى لا يستوي المحسن بالمسيء، فإذا تذكروا ذلك مع ما يعرفون من قدرة الملك وكبريائه وحكمته علموا قطعاً أنه لا بد من البعث للتمييز بين أهل الصلاح والفساد، والفصل بين جميع العباد، فتسبب عن ذلك قوله :( فارتقب ) أي ما رجيتك به من تذكرهم الستلزم لهدايتهم.
ولما كانوا يظهرون تجلداً ولدداً أنهم لا يعبؤون بشيء من القرآن ولا غيره مما يأتي به ولا يعدون شيئاً منه آية، أخبر عما يبطنون من خوفهم وانتظارهم لجميع ما يهددهم به مؤكداً لأجل ظن من حمل تجلدهم على أنه جلد فقال :( إنهم ( وزاد الأمر بالإخبار بالاسم الدال على الثبات والدوام فقال :( مرتقبون ) أي تكليفهم أنفسهم المراقبة وإجهادهم أفكارهم في ذلك دائم لا يزايلهم بل قد قطع قلوبهم وملأ صدورهم، فقد انطبق آخر السورة على أولها، بل وعلى المراد من مجملها ومفصلها، بذكر الكتاب والأرتقاب لأنواع العذاب - والله الهادي إلى الصواب، إنه الكريم الوهاب.
...