صفحة رقم ٨٩
الكتاب ثم مرتباً لما أنزل منه ترتيباً يفهم علوماً ويوضح أسراراً غامضة مهمة فقال :( تنزيل الكتاب ) أي إنزال الجامع لكل خير مفرقاً لزيادة التسهيل في التفهيم والإبلاغ في اليسر في التعليم وغير ذلك من الفضل العميم وزاده عظماً بقوله :( من الله ) أي كائن من المحيط بصفات الكمال.
ولما كان - كما مضى - للعزة والحكمة أعظم بركة هنا قال :( العزيز الحكيم ( فكان كتابه عزيزاً حكيماً لا كما تقول الكفرة من أنه شعر أو كذب أو كهانة لأنه لا حكمة لذلك ولا عزة بحيث لتبس أمره بأمره هذا الكتاب المحيط بدائرة الحكمة والصواب، ودل بشواهد القدرة وآثار الصنعة من نسخة هذا الكتاب على الصفتين وعلى وحدانيته فيهما اللازم منه تفرده المطلق فقال مؤكداً لأجل من ينكر ذلك ولو بالعمل، وترغيباً في تدقيق النظر بتأمل آيات الوجود التي هذا الكتاب شرح لمغلقها وتفصيل لمجملها.
وإيماء إلى أنها أهل لصرف الأفكار إلى تأملها ) إن في ( ولما كانت الحواميم - كما روى أبو عبيدة في كتاب الفضائل عن ابن عباس رضي الله عنهما - لباب القرآن، حذف ما ذكر في البقرة من قوله ( خلق ) ليكون ما هنا أشمل فقال :( السماوات ) أي ذواتها بما لها من الدلالة على صانعها وخلقها على ما فيها من العبر بما فيها من المنافع وعظيم الصنعة ما لها من الشفوف الدال على تعددها بما فيها من الكواكب ) والأرض ( كذلك وبما حوت من المعادن والمعايش والمنابع والمعاون ) لآيات ) أي دلائل على وحدنيته وجميع كماله، فإن من المعلوم أنه لا بد لكل من ذلك من صانع متصف بذلك ) للمؤمنين ) أي لأنهم برسوخهم في هذا الوصف الشريف أهل للنظر لأن ربهم يهديهم بإيمانهم فشواهد الربوبية لهم منهما لائحة، وأدلة الإلهية فيهما واضحة، ولعله أشار بالتعبير بالوصف إلى أنه لا بد في رد شبه أهل الطبائع من تقدم الإيمان، وأن من لم يكن راسخ الإيمان لم يخلص من شكوكهم.
وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير : لما تضمنت السورة المتقدمة إيضاح أمر الكتاب وعظيم بيانه وأنه شاف كاف وهدى ونور، كان أمر من كفر من العرب أعظم شيء لانقطاعهم عجزهم وقيام الحجة به عليهم حتى رضوا بالقتل والخزي العاجل وما قاموا بادعاء معارضته ولا شتوفوا إلى الإسناد إلى عظيم تلك المعارضة، أتبع ذلك تعالى تنبيهاً لنبيه والمؤمنين إلى ما قد نصبه من الدلائل سواه مما صد المعرض عن الاعتبار بها أو ببعضها مجرد هواه، ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله، فقال تعالى بعد القسم بالكتاب المبين ) إن في السماوات والأرض لآيات للمؤمنين ) أي لو لم تجئهم يا محمد بعظيم آية الكتاب فقد كان لهم فيما نصبنا من الأدلة أعظم برهان وأعظم تبيان
٧٧ ( ) أو لم


الصفحة التالية
Icon