صفحة رقم ٩٣
يواصل استماعه لها بلسان القال أو الحلا من أيّ تال كان، عالية ) عليه ( بجميع ما فيها من سهولة فهمها وعذوبة ألفاظها وظهور معانيها وجلالة مقاصدها مع الإعجاز فكيف إذا كان التالي أشرف الخلق.
ولما كانت تلاوتها موجبة لإقلاعه فكان إصراره مع بعد رتبته في الشناعة مستبعداً كونه قال :( ثم يصر ) أي يدوم دوماً عظيماً على قبيح ما هو فيه حال كونه ) مستكبراً ) أي طالباً الكبر عن الإذعان وموجداً له.
ولما كان مع ما ذكر من حاله يجوز أن يكون سماعه لها، خفف من مبالغته في الكفر، بين أنها لم تؤثر فيه نوعاً من التأثير، فكان قلبه أشد قسوة من الحجر فقال :( كأن ) أي كأنه ) لم يسمعها ( فعلم من ذلك ومن الإصرار وما قيد به من الاستكبار أن حاله عند السماع وقبله وبعده على حد سواء، وقد علم بهذا الوصف أن كل منلم ترده آيات الله تعالى كان مبالغاً في الإثم والإفك، فكان له الويل.
ولما كان الإصرار معناه الدوام المتحكم، لم يذكر الوقر الذي هو من الأمراض الثابتة كما ذكره في سورة لقمان، قال ابن القطاع وابن ظريف في أفعالهما، أصر على الذنب والمكروه : أقام، وقال عبد الغافر الفارسي في المجمع : أصررت على الشيء أي أقمت ودمت عليه، وقال ابن فارس في المجمل : والإصرار : العزم على الشيء والثبات عليه، وقال أبو عبد الله القزاز في ديوانه ونقله عن عبد الحق في واعيه، وأصل الصر الإمساك، ومنه يقال : أصر فلان على كذا، أي أقام عليه وأمسكه في نفسه وعقهد لأنه قد يقول ما ليس في نفسه وما لا يعتقده، والرجل مصر على الذنب أي ممسك له معتقد عليه، ثم قال : من الإصرار عليه وهو العزم على أن لا يقلع عنه، وقال الأصفهاني تبعاً لصاحب الكشاف : وأصله من أصر الحمار على العانة، وهو أن ينحني عليها صاراً أذنيه.
ولما أخبر عن ثباته على الخبث، سببب عنه تهديده في أسلوب دال - بما فيه من التهكم - على شدة الغضب وعلى أنه إن كان له بشارة فهي العذاب فلا بشارة له أصلاً فقال تعالى :( فبشره ) أي على هذا الفعل الخبيث ) بعذاب ( لا يدع له عذوبة أصلاً ) أليم ) أي بليغ الإيلام.
ولما بين تعالى كفره بما يسمع من الآيات، أتبعه ما هو أعم منه فقال :( وإذا علم ) أي أيّ نوع كان من أسباب العلم ) من آياتنا ) أي على ما لها من العظمة بإضافتها إلينا ) شيئاً ( وراءه وكان كلما رأوا الإنسان في غاية التمكن منه، قال مبيناً للعذاب :( جهنم ) أي تأخذهم لا محالة وهم في غاية الغفلة عنها بترك الاحتراز منها، ويحسن التعبير بالوراء أن الكلام في الأفاك، وهو انصراف الأمور عن أوجهها إلى اقفائها فهو