صفحة رقم ٩٩
ولما علم بهذه الحكم ما افتتحت به السورة من أن منزل هذا الكتاب عزيز حكيم، فكان التقدير فذلكة لذلك : لفقد آتيناك الكتاب والحكم والنبوة وفضلناك وأمتك على العالمين وأرسلناك لتنبه الناس على ما أمامهم وكان قومه بعد ائتلافهم على الضلال قد اختلفوا بهذا الكتاب الذي كان ينبغي لهم أن يشتد اجماعهم به واستنصارهم من أجله، عطف عليه مسلياً قوله :( ولقد آتينا ) أي على ما لنا من العظمة والقدرة الباهرة ) بني إسرائيل ( نبي الله ابن عمكم إسحاق نبي الله ابن أبيكم إبراهيم خليل الله عليهم الصلاة والسلام ) الكتاب ( الجامع للخيرات وهو يعم التوارة والإنجيل والزبور وغيرها مما أنزل على أنبيائهم ) والحكم ) أي العلم والعمل الثابتين ثبات الاحكام بحيث لا يتطرق إليهما فساد بما للعلم من الزينة بالعمل، وللعمل من الإتقان بالعلم ) والنبوة ( التي تدرك بها الأخبار العظيمة التي لا يمكن اطلاع الخلق عليها بنوع اكتساب منهم، فأكثرنا فيهم من الأنبياء ) ورزقناهم ( بعظمتنا لإقامة أبدانهم ) من الطيبات ( من المن والسلوى وغيرهما من الأرزاق اللدنية وغيرها ) وفضلناهم ( بما لنا من العزة ) على العالمين ( وهم الذين تحقق إيجادنا لهم في زمانهم وما قبله فإنا آتيناهم من الآيات المرئية والمسموعة وأكثرنا فيهم من الأنبياء ما لم نفعله لغيرهم ممن سبق، وكل ذلك فضيلة ظاهرة ) وآتيناهم ( مع ذلك ) بينات من الأمر ( الموحى به إلى أنبيائهم من الأدلة القطعية والأحكام والمواعظ المؤيدة بالمعجزات، ومن صفات الأنبياء الآتين بعدهم وغير ذلك مما هو في غاية الوضوح لمن قضينا بسعادته، وذلك أمر يقتضي الألفة والاجتماع وقد كانوا متفقين وهم في زمن الضلال لا يختلفون إلا اختلافاً يسيراً لا يضر مثله ولا يعد اختلافاً.
ولما كان حالهم بعد هذا الإيتاء مجملاً، فصله فقال تعالى :( فما اختلفوا ) أي أوقعوا الاختلاف والافتراق بغاية جهدهم، ولما لم يكن اختلافهم مستغرقاً لجميع الزمن الذي بعد الإيتاءن أثبت الجار فقال :( إلا منبعد ما جاءهم العلم ( الذي من شأنه الجمع على المعلوم، فكان ما هو سبب الاجتماع سبباً لهم في الافتراق لأن الله تعالى أراد ذلك وهو عزيز.
ولما كان هذا عجباً، بين علته نحذراً من مثلها فقال :( بغياً ) أي للمجاوزة في الحدود التي اتقضاها لهم طلب الرئاسة والحسد وغيرهما من نقائص النفوس.
ولما كان البغي على البعيد مذموماً، زاده عجباً بقوله :( بينهم ( واقعاً فيهم لم يعدهم إلى غيرهم، وقد كانوا قبل ذلك وهم تحت أيدي القبط في غاية الاتفاق واجتماع الكلمة على الرضا بالذل، ولذلك استأنف قوله الذي اقتضاه الحال على ما يشاهده العباد من أفعال الملوك فيمن خالف أوامرهم، مؤكداً لأجل إنكارهم.
) إن ربك ) أي المحسن


الصفحة التالية
Icon