صفحة رقم ١٠١
النهي عن العموم بل عموم النهي، أي انته عن كل حلاف فالنهي أصل والكل وارد عليه، كما تقدم تخريج مثله في آخر البقرة في قوله تعالى
٧٧ ( ) والله لايحب كل كفار أثيم ( ) ٧
[ البقرة : ٢٧٦ ] وهذه الأوصاف متفرخة من الكذب وخبث السجية، فهي كالتفصيل، فكثرة الحلف دالة على فساد القوة العلمية فنشأ عنها سقوط تعظيم الحق، فصار صاحبها لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً، فلذلك يحلف صادقاً وكاذباً كيفما اتفق ) مهين ) أي حقير ضعيف سافل الهمة والمروءة سافل الرأي، لأن ا لإنسان لا يكثر الحلف إلا وهو يتصور في نفسه أنه لا يصدق إلا بذلك، لأنه ليس له من المهابة عند من يحدثه والجلالة ما يصدقه بسببه، وهو مؤثر للبطالة لما فيها من موافقة طبعه، وذلك هو الحقارة الكبرى.
ولما كان كل من اتصف بصفة، أحب أن يشاركه الناس فيها أو يقاربوه لا سيما إن كانت تلك الصفة دنية ليسلم من العيب أو الانفراد به ولأن الشيء لما دناه ألف قال :( هماز ) أي كثير العيب للناس في غيبتهم، وقال الحسن : هو الذي يغمز بأخيه في المجلس، أي لأن الهمز العض والعصر والدفع - من المهماز الذي يطعن به في بطون الدواب، وهو مخصوص بالغيبة كما أن اللمز مخصوص بالمواجهة.
ولما كانت النميمة - وهي نقل الحديث على وجه السعاية - أشد الهمز أفاد أنه يفعله ولا يقتصر على مجرد النقل بل يسعى به إلى غيره وإن بعد فقال تعالى :( مشاء ) أي كثير المشي ) بنميم ) أي ينقل ما قاله الإنسان في آخر وأذاعه سراً، لا يريد صاحبه إظهاره على وجه الإفساد للبين مبالغ في ذلك بغاية جهده.
ولما كان من كان هكذا يريد إعلاء نفسه بهضم الناس، وكان المنع لإرادة الاستئثار بالممنوع ليكون الغير محتاجاً إليه وعاكفاً عليه لأن من طبعه أنه لا يرتبط إلا طمعاً لا شكراً بضد الجواد، فإنه يرفع نفسه عن المطامع، ولا يرتبط إلا شكراً على الصنائع فيجود ظناً منه أن الناس كذلك، قال :( مناع ) أي كثير المنع شديده ) للخير ) أي كل خير من المال والإيمان وغيرهما من نفسه ومن غيره من الدين والدنيا - إلى غير ذلك.
ولما كان نم يفعل هذه المخازي من الناس ويقتصر في الهمز والنم على الواقع، وفي المنع على ما له منعه - لئيماً، بين أنه لا يقنع بذلك، بل زاد عليه ببذل الجهد فيما يصير به ألأم فقال :( معتد ) أي ثابت التجاوز للحود في كل ذلك ) أثيم ) أي مبالغ في ارتكاب ما يوجب الإثم فيترك الطيبات ويأخذ الخبائث ويرغب في المعاصي ويتطالبها، ويدع الطاعات ويزهد فيها.