صفحة رقم ١١٥
سجية لا شهوة لهم فيه ولا شبهة :( أم تسئلهم ( أنت يا أعف الخلق وأعلاهم همماً ) أجراً ( على إبلاغك إياهم ) فهم ) أي فتسبب عن ذلك وتعقب أنهم ) من مغرم ( كلفتهم به فهم لشدته ) مثقلون ) أي واقع إثقالهم به حتى أوجب لهم ذلك الغرم الناقص لأموالهم التقاعد عن التصديق بما جئت به إليهم من عندنا فصاروا يشتهون إقلاعك عنه.
ولما نفى أن يكون تكذيبهم بشهوة دعتهم إلى ذلك نفى أن يكون لهم في ذلك شبهة من شك في الذكر أو حيف في المذكر وأن يكونوا على ثقة أو ظن من سلامة العاقلة فقال :( أم عندهم ) أي خاصة ) الغيب ) أي علموه من اللوح المحفوظ أو غيره ) فهم ( بسبب ذلك ) يكتبون ) أي ما يريدون منه ليكونوا قد اطلعوا على أن هذا الذكر ليس من عند الله أو على أنهم لا درك عليهم في التكذيب به، فقد علم بهذا أنه لا شهوة لهم في ذلك عادية ولا شبهة، وإنما تكذيبهم مجرد خبث طباع، وظلمة نفوس وأمالي فارغة وأطماع.
ولما انتفى جميع ذلك فثبت أنهم على خطر عظيم، وأنه سبحانه المختص بعلم الغيب، وقد أخبر بإهلاكهم من أجله ( ﷺ )، وأن كفر من كفر وإيمان من آمن بقضائه وتقديره، فكان لا بد منهما، كان ذلك سبباً حاملاً له على الصبر إلى الوقت الذي ضربه سبحانه للفرج، فقال مسبباً عما تقديره : لم يكن له شيء مما ذكر، وإنما هو القضاء والقدر :( فاصبر ) أي أوفر الصبر وأوجده على كل ما يقولون فيك وعلى غير ذلك من كل ما يقع منهم ومن غيره من مر القضاء والقدر ) لحكم ربك ) أي للقضاء الذي قضاه وقدره المحسن إليك الذي أكرمك بما أكرمك به من الرسالة وألزمك بما ألزمك من البلاغ وخذلهم بالتكذيب ومد لهم على ذلك في الآجال وأوسع عليهم النعم وأخر ما وعدك به من النصر.
ولما كان حاصل قصة يونس - على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام - أنه استثقل الكرامة بالرسالة لما فيها من الأمور الشديدة من معالجة الخلق فامتحن، كان سبباً لقبوله ذلك، ثم كان سبب إسلامه قومه إدناء العذاب منهم وتقريب غشيانه لهم، أشار له بقصته إلى أنه يراد إعلاؤه - ( ﷺ ) وعلى سائر الأنبياء - وإعلاء أمته على سائر الأمم بما يحتاج إلى صبر على ما يستثقل من ضرر أو أمر شديد مر فقال :( ولا تكن ) أي ولا يكن حالك في الضجر والعجلة إلى غير ذلك.
ولما كان قد افتتح السورة بالنون الذي من مدلولاته الحوت، عبر به هنا تحقيقاً لإرادته فقال :( كصاحب ) أي حكال صاحب ) الحوت ( وهو يونس بن متى عليه الصلاة والسلام ) إذ ) أي حين، والعامل في هذا الظرف