صفحة رقم ١٢٠
بالحق الذي لا مرية فيه لأحد من الخلق، فهي فاعلة بمعنى مفعول فيها، وهي فالعة أيضاً لأنها غالبة لكل خصم، من فحققته أحقه أي غالبته في الحق فغلبته فيه، فهي تحق الحق ولا بد فتعلو الباطل فتدمغه وتزهقه فتحق العذاب للمجرمين والثواب للمسلمين، وكل ما فيها داثر على الثبات والبيان، لأن ذلك مقتضى الحكمة لا يرضى لأحد من الحكام ترك رعيته بغير إنصاف بينهم على زعمه فكيف بالحكيم العليم، وقصة صاحب الحوت عليه السلام أدل دليل على القدرة عليها.
ولما كان ذلك كله أمراً رائعاً للعقول، هازاً للقلوب، مزعجاً للنفوس، وكان ربما توقف فيه الجلف الجافي، أكد أمره وزاد في تهويله، وأطنب في تفخيمه وتبجيله، إشارة إلى أن هوله يفوت الوصف بقوله، معلماً أنه مما يحق له أن يستفهم عنه سائقاً له بأداة الاستفهام مراداً بها التعظيم للشأن، وأن الخبر ليس كالعيان :( ما الحاقة ( فأداة الاستفهام مبتدأ أخبر عنه بالحاقة وهما خبر عن الأولى، والرابط تكرير المبتدأ بلفظه نحو زيد أي هو، وأكثر ما يكون ذلك إذا أريد معنى التعظيم والتهويل.
ولما كان السياق لترجمة المراد بكشف الساق، عظم التهويل بقوله :( وما أدراك ) أي في الزمن الماضي، وقصره لتذهب النفس فيه كل مذهب، أي وأي شيء أعلمك بشيء من الأشياء مع تعاطيك للبحث والمداورة، ثم زاد التحذير منها بقوله على النهج الأول مستفهماً والمراد به التفخيم ومزيد التعظيم :( ما الحاقة ) أي إنها بحيث لا يعلم كنهها أحد ولا يدركها ولا يبلغها درايته وكيف ما قدرت حالها فهي أعظم من ذلك، فلا تعلم حق العلم إلا بالعيان.
وقال الإمام أبو جعفر ابن الزبير : لما بنيت سورة ) ن والقلم ( على تقريع مشركي قريش وسائر العرب وتوبيخهم وتنزيه نبي الله ( ﷺ ) عن شنيع قولهم وقبيح بهتهم، وبين حسدهم وعداوتهم
٧٧ ( ) وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم ( ) ٧
[ القلم : ٥١ ] أتبعت بسورة الحاقة وعداً لهم وبياناً أن حالهم في سوء ذلك المرتكب قد سبق إليه غيرهم
٧٧ ( ) كذبت ثمود وعاد بالقارعة ( ) ٧
الحاقة : ٤ ]
٧٧ ( ) فهل ترى لهم من باقية ( ) ٧
[ الحاقة : ٨ ]
٧٧ ( ) ألم يروا كم أهلكنا قبلهم من قرن ( ) ٧
[ الأنعام : ٦ ]
٧٧ ( ) فهل ينتظرون إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم ( ) ٧
[ يونس : ١٠٢ ]، و
٧٧ ( ) كم أهلكنا قبلهم من قرن هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزاً ( ) ٧
[ مريم : ٩٨ ] فسورة الحاقة جارية مجرى هذه الآي المعقب بها ذكر عناد مشركي العرب ليتعظ بها من رزق التوفيق لنجعلها لكم تذكرة وتعيها أذن واعية.
ولما ذكر حال من هلك من الأمم السالفة بسوء تكذيبهم وقبيح عنادهم، أتبع ذلك


الصفحة التالية
Icon