صفحة رقم ١٢٢
يكون من شدة البرد والصوت كأنه كرر فيها البرد حتى صار يحرق بشدته والصوت حتى صار يصم بقوته، وقال الملوي : أصله صر وهو البرد الشديد أو الحر الشديد ) عاتية ) أي مجاوز للحد من شدة عصفها وعظمة قصفها وعظمة قصفها تفعل أفعال المستكبر الذي لا يبالي بشيء فلم يستطع خزانها ضبطها، ولم يملك المعذب بها ردها ولا ربطها، بل كانت تنزعهم من مكامنهم التي احتفروها ومصانعهم التي أتقنوها واختاروها فتهلكهم، قال الملوي : قال علي بن أبي طالب وابن عباس رضي الله عنهما :( لم ينزل قط ماء ولا ريح إلا بمكيال على يد ملك إلا يوم الطوفان فإن الله تعالى أذن للملاء فطغى على الخزان ويوم عاد أذن للريح فعتت على خزانها ) انتهى.
ولما وصفها بالعتو على الخلق والغلبة لهم بحيث كانت خارقة للعادة لم يأت مثلها قبل ولا بعد، دل على صغارها بالنسبة إلى عظمته، وأنه هو الذي أوجها لا الطبيعة ولا غيرها، بل إنما كانت بقدرته واختياره قهراً لمن طعن في ملكه وكذب رسله فيما أخبروا به من أمر الساعة التي هي موضع الحكمة وإظهار جميع العظمة، فقال مستأنفاً دلالة على ذلك :( سخرها ) أي قهرها على أن سلطها، والتسخير : استعمال الشيء بالاقتدار، ودل على أنه تسخير تعذيب لا رحمة وتأديب بأداة الاستعلاء، فقال :( عليهم ( وكلفها ذلك وذللها له فلم يمكنها مع عنها إلا أن كانت طوع أمره وصنيعة عظمته وقهره.
ولما كانت هذه السورة لتحقيق الأمور، وكشف المشكل وإيضاح الخفي، حقق فيها زمن عذابهم تحقيقاً لم يتقدم مثله، فذكر الأيام والليالي، وقدم الليالي لأن المصايب فيها أفظع وأقبح وأشنع لقلة المغيث والجهل بالمأخذ والخفاء في المقاصد والمنافذ، ولأن عددها مذكر في اللفظ، وتذكير اللفظ أدل على قوة المعنى ولذلك جعل المميز جمع كثرة، ولأنها سبع، والسبع مبالغ فيه وهو أجمع العدد كما يأتي تحقيقه قريباً في حملة العرش ولا يمكن أن يظن بتقديمها أن ابتداء العذاب كان فيها لأنه يلزم حينئذ أن يكون بعدد الأيام فلذلك قال :( سبع ليال ) أي لا تفتر فيها الريح لحظة لأنه بولغ في شدتها مبالغة لم يكن مثلها قط ولا يكون بعدها أبداً ) وثمانية أيام ( كذلك حال كونها ) حسوماً ( جمع حاسم أي بحس مانع من التصرف دائم متتابع لا فترة له، من حسم الكي - إذا تابع فيه بالمكواة، قاطع لكل خير، مستأصل له، فأتت عليهم من غير فترة أصلاً في جميع الوقت فاستأصلتهم لم تبق منهم أحد حتى أن عجزاً منهم