صفحة رقم ١٢٥
وأصله الزيادة، فأغرق فرعون وجنوده، وأغرق كل من كذب نوحاً عليه السلام، وهم كل أهل الأرض غير من ركب معه في السفينة، وحمل مدائن لوط عليه السلام بعد أن نتقها من الأرض على متن الريح بواسطة من أمره بذلك من الملائكة ثم قلبها وأتبعها الحجارة وخسف بها وغمرها بالماء المنتن الذي ليس في الأرض ما يشبهه.
ولما كان ربما وقع في وهم التعجب من وجود فرعون ومن بعده من الإخبار بأخذ من قبله على قراءة الجماعة مع أن ( من ) من صيغ العموم، أشار إلى أنه أهلك جميع المخالفين وأنجى جميع الموافقين، قال جواباً لذلك السؤال مؤكداً لأجل من يتعنت ولأن ذلك كان مما يتعجب منه ويتلذذ بذكره :( إنا ) أي على قدرتنا وعظمتنا وإحاطتنا ) لما طغا الماء ) أي فزاد عن الحد حتى علا على أعلى جبل في الأرض بقدر ما يغرق من كان عليه حين أغرقنا قوم نوح عليه السلام به فلم يطيقوا ضبطه ولا قاووه بوجه من الوجوه، ولا وفقوا لركوب السفينة، فكان خروجه عن العادة راداً على أهل الطبائع.
ولما كان الإيجاد نعمة فكان إنجاء آبائهم من الغرق حتى كان ذلك سبباً لوجودهم نقمة عليهم قال تعالى :( حملناكم ) أي في ظهور آبائكم بعظمتنا ومشيئتنا وقدرتنا ) في الجارية ) أي السفينة التي جعلناها بحكمتنا عريقة في الجريان حتى كأنه لا جارية غيرها على وجه الماء الذي جعلنا من شأنه الإغراق، وهو تعبير بالصفة عن الموصوف، ونوح عليه السلام أول من صنع السفينة، وإنما صنعها بوحي الله تعالى وبحفظه له من أن ينزل في صنعتها، قال : اجعلها كهيئة صدر الطائر ليكون ما يجري في الماء مقارباً لما يجري في الهواء، وأغرقنا سوى من في السفينة من جميع أهل الأرض من أدمي وغيره.
ولما بدأ سبحانه وتعالى بثمود الذين هم أقرب المهلكين إلى مكة المشرفة لأن التخويف بالأقرب أقعد، وختم بقوم نوح عليه السلام لأنهم كانوا جميع أهل الأرض ولم يخف أمرهم على أحد ممن بعدهم، علل اختيار إنجائهم بالسفينة دون غيرها فقال :( لنجعلها ) أي هذه الفعلات العظيمة من إنجاء المؤمنين بحيث لا يهلك منهم بذلك العذاب أاحد وإهلاك الكافرين بحيث لا يشذ منهم أحد، وكذا السفينة التي حملنا فيها نوحاً عليه السلام ومن معه بإبقائها آية من آياته وأعجوبة من بدائع بيناته وغريبة في الدهر من أعجوباته ) لكم ) أي أيها الأناسي ) تذكرة ) أي سبباً عظيماص لذكر أول إنشائه والموعظة به لتستدلا بذلك على كمال قدرته تعلى وتمام علمه وعظمة رحمته وقهره، فيقودكم ذلك إليه وتقبلوا بقلوبكم عليه ) وتعيها ) أي ولتحفظ قصة السفينة وغيرها مما تقدم، حفظاً ثابتاً مستقراً كأنه محوى في وعاء.
ولما كان المنتفع بما يسمع الحافظ له قليلاً جداً، دل على ذلك يتوحيد الأذن


الصفحة التالية
Icon