صفحة رقم ١٥٦
كنت جهولاً ) وكلموه بأحسن ما يمكنهم، وكذا كانت معه قريش قبل الهجرة في أكثر أحوالهم، هذا في الدنيا وأما في الآخرة فيتلقاهم الملائكة بالبشرى حين الموت وفي قبورهم ومن حين قيامهم من قبورهم إلى حين دخولهم إلى قصورهم.
ولما تحرر بهذا الكلام الألهي الذي يشك عاقل في أن مخلوقاً لا يقدر عليه، وأنه لا يقدر عليه إلا الله الواحد الذي لا شريك له، العالم بكل شيء، القدر على كل شيء، أنه لا يتفصى عن نقائص الإنسان حتى يتخلص من ظلمات النقصان إلى نور الإحسان إلا من لازم هذه الأوصاف وزكى نفسه بها ليصير كاملاً مع العلم القطعي عند المسلم والكافر أن الكمال سبب السعادة، وأن الإنسان مطبوع على ما صدر به سبحانه من النقائص، علم أن المتصفين بهذه الأوصاف هم المختصون بالسعادة بالأخروية، وكان الكفار يأتون النبي ( ﷺ ) ويجلسون حوله بالقرب منه ليسمعوا كلامه ويكذبوه ويهزؤوا به، وكان العقال لا ينبغي له أن يأتي شيئاً لا سيما إن كان إتيانه إليه على هيئة الإسراع إلا لتحصيل السعادة، سبب عن ذلك قوله معبراً عن عظمة القرآن بما حاصله أنهم حين يسمعونه يصيرون لشدة ما يفزعهم أمره لا يتمالكون فيفعلون أفعال من لا وعي له :( فمال الذين كفروا ) أي أي شيء من السعادة للذين ستروا مرائي عقولهم عن الإقرارا بمضمون هذا الكلام الذي هو أوضح من الشمس، حال كونهم ) قبلك ) أي نحوك أيها الرسول الكريم وفيما أقبل عليك ) مهطعين ) أي مسرعين مع مد الأعناق وإدامة النظر إليك في غاية العجب من مالك هيبة من يسعى إلى أمر لا حياة له بدونه.
ولما كان الذي يتطير فيراعي الأيامن والأشائم على ما تقدم في الصافات، لا يترك ذلك إلا في أمر أدهش عقله وأطار لبه، فلم يدعه يتأمل، قال مشيراً إلى شدة اعتنائهم بهذا الإهطاع مع عدم التحفظ من شيء :( عن ) أي متجاوزين إليك كل مكان كان عن جهة ) اليمين ) أي منك حيث يتمنون به ) وعن الشمال ) أي منك وإن كانوا يتشاءمون به ) عزين ) أي حال كونهم جماعات وخلقاً خلقاً متفرقين فرقاً شتى أفواجاً يتمهلون ليأتوا جميعاً جمع عزة، وأصلها عزوة لأن كل فرقة تعتزي إلى غير ما تعتزى إليه الأخرى، جمع سلامة شذوذاً.
ولما كان هذا الإسراع على هذا الوجه لا ينبغي أن يكون إلا فيما يتحقق أنه