صفحة رقم ١٧٠
ولما كان من رجا ملكاً بما يرضيه.
ومن خافة تجنب ما يسخطه، نبههم على ذلك بالإشارة إلى الجلال الموجب للتوقير والجمال بالإحسان إلى الخلق، مصرحاً لهم بالترغيب ملوحاً إلى الترهيب، فقال مستأنفاً في جواب من يقول منهم : هل بقي شيء من قولك ؟ :( ما ) أي أيّ شيء يحصل ) لكم ( حال كونكم ) لا ترجون ) أي تكونون في وقت من الأوقات على حال تؤملون بها، وبين فاعل الوقار ومبدعه بتقديمه، فإنه لو أخره لكان ل ( وقاراً ) فقال :( لله ) أي الملك الذي له الأمر كله ) وقاراً ) أي ثواباً يوقركم فيه ولو قل، فإن قليله أكثر من كثير غيره، ولا تخافون له إهانة بالعقاب بأن تعلموا أنه لا بد من أن يحاسبكم بعد البعث فيثيب الطائع ويعاقب العاصي، كما هي عادة كل أحد مع من تحت يده، فتوقروا رسله بتصديقهم فتؤمنوا وتعملوا، فإن من أراد من أحد أنه يوقره وقره وعظمه ليجازيه على ذلك، فإن الجزاء من جنس العمل، وذلك إنما يكون بمعرفة الله بما له من الجلال والجمال، والخلق إنما تفاضلوا بالمعرفة بالله، لا بالأعمال، إنما سبق أبو بكر رضي الله عنه الناس بشيء وقر في صدره، فإن بالمعرفة تزكو الأعمال وتصلح الأقوال، وإنما يصح تعظيمه سبحانه بأن لا ترى لك عليه حقاً، ولا تنازع له اختياراً، وتعظم أمره ونهيه، بعدم العارضة بترخيص جاف أو تشديد غال أو حمل على توهم الانقياد، وتعظم حكمه بأن لا تبغي له عوجاً ولا تدافعه بعلم، ولا ينبغي له غرض وعلة، ولأجل أن المطلوب تحصيل الأعمال التي هي أسباب ظاهرية، عبر بالرجاء ليسرهم بأن أعمالهم مؤثرة، وعبر بالطمع في غير هذه الآية تنبيهاً على أنه لا سبب في الحقيقة إلا رحمة الله لحال دعاء إلى ذلك.
نوح :( ١٤ - ٢١ ) وقد خلقكم أطوارا
) وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً أَلَمْ تَرَوْاْ كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجاً وَاللَّهُ أَنبَتَكُمْ مِّنَ الأَرْضِ نَبَاتاً ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجاً وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ بِسَاطاً لِّتَسْلُكُواْ مِنْهَا سُبُلاً فِجَاجاً قَالَ نُوحٌ رَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُواْ مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلاَّ خَسَاراً ( ( )
ولما كان هذا إشارة إلى الاستدلال على البعث بما يعلمونه من أنفسهم صرح بعد ما لوح، فقال آتياً بحرف التوقع لأنه مقامه :( وقد ) أي والحال أنه قد أحسن إليكم مرة بعد مرة بما لا يقدر عليه غيره، فدل ذلك على تمام قدرته، ثم لم يقطع إحسانه عنكم فاستحق ان تؤمنوا به لأنه ) خلقكم ) أي أوجدكم من العدم مقدرين ) أطواراً ) أي تارات عناصر أولاً ثم مركبات تغذي الحيوان ثم أخلاطاً ثم نطفاً ثم علقاً ثم مضغاً ثم عظاماً ولحوماً وأعصاباً ودماء، ثم خلقاً آخر تاماً ناطقاً ذكراناً وإناثاً


الصفحة التالية
Icon