صفحة رقم ١٧٣
البساط، ثم علل فقال :( لتسلكوا ) أي منجدين ) منها ) أي الأرض مجددين لذلك ) سبلاً ) أي طرقاً واضحة مسلوكة بكثرة ) فجاجاً ) أي ذوات اتساع لتتوصلوا إلى البلاد الشاسعة براً وبحراً، فيعم الانتفاع بجميع البقاع، فالذي قدر على إحداثكم وأقدركم على التصرف في أصلكم مع ضعفكم قادر على إخراجكم من أجداثكم التي لم تزل طوع أمره ومحل عظمته وقهره.
ولما كانوا جادلوه عليه الصلاة والسلام بعد هذا البيان الذي لا يشك في دلالته على المراد من تحقق لصفاء الإيقان، فأكثروا الجدال ونسبوه إلى الضلال وعصوه أقبح العصيان وقابلوه بأشنع الأقوال والأفعال، طوى ذلك مشيراً إليه بقوله مستأنفاً :( قال نوح ) أي بعد رفقه بهم ولينه لهم شاكياً منهم :( رب ) أي أيها المحسن إليّ المدبر لي المتولي لجميع أموري.
ولما كان الضعفاء أكثر الناس بحيث إذا اجتمعوا دل الرؤوس الأقوياء بالأموال والأولاد وكانوا كأنهم الكل، فقال مؤكداً لأن عصيانهم له بعد ذلك مما يبعد وقوعه :( إنهم ) أي قومي الذين دعوتهم إليك مع صبري عليهم ألف سنة إلا خمسين عاماً ) عصوني ) أي فيما أمرتهم به ودعوتهم إليه فأبوا أن يجيبوا دعوتي وشردوا عني أشد شراد وخالفوني أقبح مخالفة ) واتبعوا ) أي بغاية جهدهم نظراً إلى المظنون العاجل بعد ترك المحقق عاجلاً وآجلاً ) من ) أي من رؤسائهم البطرين بأموالهم المغترين بولدانهم، وفسرهم بقوله :( لم يزده ) أي شيئاً من الأشياء.
ولما كان المال يكون للإنسان الولد، وكان ينبغي ان يشكر الله الذي آتاه إياه ليكون له يراً في الدارين وكذا الولد قال :( ماله ) أي بكثرته ) وولده ( كذلك، وهو الجنس في قراءة التحريك - وكذا في قراءة ابن كثير والبصريين وحمزة والكسائي بالضم والسكون على أنه لغة في المفرد كالحزن والحزن والرشد والرشد، أو يكون على هذه جمعاً كالأسد والأسد، ويكون اختيار أبي عمرو لهذه القراءة في هذا الحرف وحده للإشارة بجمع الكثرة المبني على الضمة الكثرة المبني على الضمة التي هي أشد الحركات إلى أنهم - وإن زادت كثرتهم وعظمت قوتهم - فإن البسط لهم في الدنيا بذلك كان سبباً لطغيانهم وبطرهم واتباعهم لأهوائهم حتى كفروا واستغووا غيرهم فغلبوا عليهم فكانوا سبباً في شقائهم وخسراتهم بخسارتهم، وكان عندهم أنها زادتهم رفعة، وفي السياق دليل على أنهم ما حصلت لهم الوجاهة إلا بها.