صفحة رقم ١٧٨
ويجوز - وهو أقرب - أن يكون هذا الدعاء عند ركوبه السفينة وابتداء الإغراق فيهم، يريد به العموم كراهية أن يبقى أحد منهم على ذروة جبل أو نحوه، لا أصل الإغراق، وأن يكون معنى ما قبله الحكم بإغراقهم وتحتم القضاء به أو الشروع فيه.
ولما كان الرسل عليهم الصلاة والسلام لا يقولون ولا يفعلون إلا ما فيه مصلحة الدين، علل دعاءه بقوله وأكده إظهاراً لجزمه باعتقاد ما أنزل عليه من مضمون قوله تعالى :
٧٧ ( ) إنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن ( ) ٧
[ هود : ٣٦ ] وإن كان ذلك خارجاً عن العادة :( إنك ) أي يا رب ) إن تذرهم ) أي تتركهم على أي حالة كانت في إبقائهم سالمين على وجه الأرض على ما هم عليه من الكفر والضلال والإضلال ولو كانت حالة دنية ) يضلوا عبادك ) أي الذين آمنوا بي والذين يولدون على الفطرة السليمة.
ولما كان ربما كان الإنسان ضاراً ووجد له ولد نافع ؛ نفى ذلك بقوله :( ولا يلدوا ) أي إن قدرت بقاءهم في الدنيا ) إلا فاجراً ) أي مارقاً من كل ما ينبغي الاعتصام به، واكتفى فيه بأصل الفاعل إشارة إلى أن من جاوز الحد أو شرع في شيء بعده من التمادي في الغي صار ذلك له ديدناً فبالغ، فلذلك قال :( كفاراً ) أي بليغ الستر لما يجب إظهاره من آيات الله لأن قولك يا رب لا يتخلف أصلاً، والظاهر أن هذا الكلام لا يقوله إلا عن وحي كما في سورة هود عليه السلام من قوله تعالى :
٧٧ ( ) إنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن ( ) ٧
[ هود : ٣٦ ] فيكون على هذا حتى صغارهم معذبين بما يعلم الله منهم لو بلغوا لا بما عملوه كما قال ( ﷺ ) في أولاد الكفار ( الله أعلم بما كانوا عاملين ) ولما دل هذا كله على أنه دعا على أعداء الله، دعا أيضاً لأوليائه وبدأ بنفسه لأنه رأس تلك الأمة، فقال مسقطاً على عادة أهل الخصوص :( رب ) أي أيها المحسن إليّ باتباع من اتبعني وتجنب من تجنبي، فإن من كانت طبيعته طبعت على شيء لا تحول عنه.
ولما كان المقام الأعلى أجل من أن يقدره أحد حق قدره قال :( اغفر لي ) أي فإنه لا يسعني وإن لا يسعني وإن كنت معصوماً إلا حلمك وعفوك ورحمتك.
ولما أظهر بتواضعه عظمة الله سبحانه وتعالى رتب المدعو لهم على الأحق فالأحق فقال :( ولوالديّ ( وكانا مؤمنين وهما لمك بن متوشلخ وشمخاء بنت أنوش، قال أبو حيان : وقال ابن عباس


الصفحة التالية
Icon