صفحة رقم ١٩٨
ولما ذكر تلبدهم عليه وقدم ما هو الأهم من أمره من كشف غمومهم بإعلامهم أن ذلك الذي أنكروه عليه هو الذي يحق له، ومن أنه مع ضعفه عن مقاواتهم هو عن الإعراض عن الله أضعف لأن الله أقوى من كل شيء وأنه لا يسعه إلا امتثال أمره، وأشار إلى أنهم عاجزون عن سطواته سبحانه بعدم القدرة على الإجارة عليه، صرح بذلك مهداً لهم، فقال مغيياً لتلبدهم عليه :( حتى إذا رأوا ) أي بأبصارهم فيه ) ما ) أي الشيء الذي.
ولما كان المنكي من الوعيد بروكه على كل من كان لأجله الوعيد لا كونه من معين قال :( يوعدون ) أي ما حصل الإيعاد في الدنيا أو في الآخرة أما في الآخرة فواضح، وأما في الدنيا فمثل إخراج النبي ( ﷺ ) مع اجتماع المشركين على المكر به لقتله واجتهادهم في ذلك ثم سراياه وغزواته مثل غزوة بدر وغيرها من أيام الله التي ملأت الأرض نوراً وأهل الحق سروراً وحبوراً، وأهل الباطل خسراً وبوراً ورعباً وهلاكاً وقبوراً ) فسيعلمون ) أي من ذلك اليوم الذي يكون فيه تأويله بوعد لا خلف فيه ولا طولاً لأمده ) من أضعف ناصراً ) أي من جهة الناصر أنا وإن كنت في هذا الوقت وحيداً مستضعفاً أو هم ) وأقل عدداً ( وإن كانوا الآن بحيث لا يحصيهم عدداً إلا الله سبحانه، فيا لله ما أعظم كلام الرسل حيث يستضغفون أنفسهم من حيث هي، ويذكرون قوتهم من جهة مولاهم الذي بيده الملك وله جنود السماوات والأرض بخلاف أهل الإلحاد فإنه لا كلام لهم إلا في تعظيم أنفسهم وازدراء من سواهم، وإذا حاققت أحداً من أتباع أحد منهم قال هذا على لسان النبوة - ونحو هذا من مخادعاتهم.
ولما كان من المعلوم أنهم إذا سمعوا هذا الوعيد قالوا استهزاء وعمى عن طريق الصواب واستعلاء : متى يكون عجل به، استأنف قوله جواباً لهم جواب من لا يستخفه عجلة ولا ضجر لأنه لا يخاف الفوت ولا يلحقه ضرر ببقاء العدو واجتهاهم في أذى أوليائه ميبناً ما يجوز على الرسل من أنه يخفى عليهم ما على البشر ويطلعهم الله تعالى ما يخفي على غيرهم :( قل ) أي في جوابهم إن كذبوا بإتيانهم العذاب وسألوا استهزاء منه عن وقت وقوعه أما كونه فلا بد منه لأنه قد برز الوعيد به ممن لا يخلف الميعاد، وأما تعيين وقته فقد أخفاه سبحانه لأنه أقعد في التهديد وهو معنى قوله :( إن ) أي ما ) أدري ( بوجه من الوجوه وإن عالجت ذلك وتسببت فيه، وزاد في تقرير خفائه وأنه لا يزال في حيز ما يسأل عنه بصيغة الاستفهام فقال مقدماً ما يخفيهم :( أقريب ما توعدون ) أي يكون الآن أو قريباً من هذا الأوان بحيث يتوقع عن قرب ) أم ( بعيد ) يجعل له ) أي لهذا الوعي.
ولما كان التأخير.
ولما كان التأخير ربما أفهم تهاوناً بالولي.
فقال دافعاً لذلك :( ربي ) أي المحسن إليّ إن قدمه أو أخره ) أمداً ) أي أجلاً مضروباً عظيماً


الصفحة التالية
Icon