صفحة رقم ٢٠٣
قال ( ﷺ ) في قتلى أحد - ( زملوهم بثيابهم ودمائهم ) مع الإشارة إلى الإخفاء أيضاً بإدغام تاء التفعل، وربما أشار الإدغام إلى أن الستر بالثوب لم يعم جميع البدن، كما يأتي في المدثر على أن فيه مع ذلك إشارة إلى البشارة بالقوة على حمل أعباء ما يراد به، من قولهم : زمل الشيء - إذا رفعه وحمله، والازدمال : احتمال الشيء، وزملت الرجل على البعير وغيره - إذا حملته عليه، ومن زملت الدابة في عدوها - إذا نشطت، والزامل من حمر الوحوش الذي كأنه يظلع من نشاطه، ورجل إزميل : شديد، والزاملة : بعير يستظهر به الرجل لحمل طعامه ومتاعه عليه، ويقال للرجل العالم بالأمر : هو ابن زوملتها، وقال ابن عطاء : يا أيها المخفي ما تظهره عليه من آثار الخصوصية هذا أوان كشفه، وقال عكرمة : يا أيها الذي حمل هذا الأمر، وقال السدي : أراد يا ألها النائم، وقال غيره : كان هذا في ابتداء الوحي بالنبوة، والمدثر في ابتداء الوحي بالرسالة، ثم خوطب بعد ذلك بالنبي والرسول :( قم ) أي في خدمتنا بحمل أعباء نبوتنا والزدمال بالاجتهاد في الاحتمال، واترك التزمل فإنه مناف للقيام.
ولما كان الاجتهاد في الخدمة دالاًّ على غاية المحبة، وكانت النية خيراً من العمل، وكان الإنسان مجبولاً على الضعف، وكان سبحانه لطيفاً بهذه الأمة تشرفياً لإمامها ( ﷺ )، رضى منا سبحانه بصدق التوجه إلى العمل وجعل أجورنا أكثر من أعمالنا، فجعل غحياء البعض إحياء للكل، فأطلق اسم الكل وأراد البعض فقال :( الليل ) أي الذي هو وقت الخلوة والخفية والستر، فصل لنا في كل ليلة من هذا الجنس وقف بين يدينا بالمناجاة والأنس بما أنزلنا عليك من كلامنا فإنا نريد إظهارك وإعلاء قدرك في البر والبحر والسر والجهر، وقيام الليل في الشرع معناه الصلاة فلذا لم يقيده، وهي حامعة لأنواع الأعمال الظاهرة والباطنة، وهي عمادها، فذكرها دال على ما عداها.
ولما كان للبدن حظ في الراحة قال مستثنياً من الليل :( إلا قليلاً ) أي من كل ليلة، ونودي هذا النداء لأنه ( ﷺ ) لما جاءه الوحي بغار حراء رجع إلى خديجة زوجته رضي الله تعالى عنها يرجف فؤاده فقال :( زملوني زملوني لقد خشيت على نفسي ) فسألته رضي الله عنها عن حاله، فلما قص عليها أمره - قال :( خشيت على نفسي )