صفحة رقم ٢١٤
فبقيتم على كفركم - على أن العبارة مشيرة إلى أنه عفا عنهم الكفر الماضي فلا يعده عليهم رحمة منه وكرماً ولا يعد عليهم إلا ما أوقعوه بعد مجيء الرسول ( ﷺ ) ) يوماً ) أي هو مثل في الشدة بحيث إنه يقال فيه ) يجعل ( لشدة أهواله وزلزاله وأوجاله ) الولدان ) أي عند الولادة أو بالقرب منها ) شيباً ( جمع أشيب وهو من ابيض شعره، وذلك كناية أن عن كثرة الهموم فيه لأن العادة جارية بأنها إذا تفاقمت أسرعت بالشيب، والمعنى إنكار أن يقدروا على أن يجعلوا لهم وقاية بغاية جهدهم تقيهم عذاب ذلك اليوم الموصوف بهذا الهول الأعظم، وذلك حين يقول الله :( يا آدم قم فابعث بعث النار من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين ) وأسند الجعل إلى اليوم لكونه واقعاً فيه كما جعله المتقي، وإنما المتقي العذاب الواقع فيه.
ولما كان هذا أمراً عظيماً، صور أهواله زيادة في عظمه فقال :( السماء ) أي على عظمها وعلوها وشدة إحكامها.
ولما كان المراد الجنس الشامل للكل ذكر فقال :( منفطر ) أي منشق متزايل من هيبة الرب تزايل المتفرط من السلك، ولو أنث لكل ظاهراً في واحدة من السماوات، وفي اختيار التذكير أيضاً لطيفة أخرى، وهي إفهام الشدة الزائدة في الهول المؤدي إلى انفطاره ما هو في غاية الشدة لأن الذكر في كل شيء اشد من الأنثى، وذلك كله تهويلاً لليوم المذكور ) به ) أي بشدة ذلك اليوم وباؤه للآله، ويجوز كونها بمعنى ( فيه ) أي يحصل فيه التفطر والتشقق بالغمام ونزول الملائكة وغير ذلك من التساقط والهي على شدة وثاقتها فما ظنك بغيرها.
ولما كان هذا عظيماً، استأنف بيان هو انه بالنسبة إلى عظمته سبحانه وتعالى فقال :( كان ) أي على حال وبكل اعتبار ) وعده ) أي وعد الله الذي تقدم ذكره في مظاهر العظمة، فالإضافة للمصدر على الفاعل ) مفعولاً ) أي سهلاً مفروغاً منه في أي شيء كان، فكيف إذا كان بهذا اليوم الذي هو محط الحكمة، أو الضمير لليوم فالإضافة إلى المفعول، إشارة إلى أن الوعد الواقع به وفيه لا بد منه، ومعلوم أنه لا يكون إلا من الله.
ولما كان ما مضى من هذه السورة من الأحكام والترغيب والترهيب مرشداً إلى معالي الأخلاق منقذاً من كل سوء، قال مستأنفاً مؤكداً تنبيهاً على عظمها وأنها مما ينبغي التنبيه عليه :( إن هذه ) أي القطعة المتدقمة من هذه السورة ) تذكرة ) أي تذكير عظيم


الصفحة التالية
Icon