صفحة رقم ٢٢٦
شيئاً، بل لم يزل في نقصان حتى هلك وتمت كلمات ربك صدقاً وعدلاً، لا مبدل لكلماته ) كلا ) أي وعزتنا وجلالنا لا تكون له زيادة على ذلك أصلاً، وأما النقصان فسيرى إن استمر على تكذيبه فليرتدع عن هذا الطمع، وليزدجر وليرتجع، فإنه حمق محض وزخرف بحت، وغرور صرف، ولما ردعه هذا الردع المقتضي ولا بد للإذعان وصادق الإيمان ممن لم يستول عليه الحرمان، علله بقوله مؤكداً لإنكارهم العناد والمعاد :( إنه ) أي هذا الموصوف ) كان ( بخلق كأنه جبلة له وطبع لا يقدر على الانفكاك عنه ) لآياتنا ( على مالها من العظمة خاصة لكونها هادية إلى الوحدانية، لا لغيرها من الشبه القائدة إلى الشرك ) عنيداً ) أي بالغ العناد على وجه لا يعد عناده لغيرها وبسبب مزيد قبحه عناداً، والعناد - كما قال الملوي : من كبر في النفس أو يبس في الطبع أو شرائة في الأخلاق أو خبل في العقل، وقد جمع ذلك كله إبليس، لأنه خلق من نار.
وهي من طبعها اليبوسة وعدم الطواعية، وحقيقته ميل عن الجادة، ومجاوزة للحد مع الإصرار واللزوم، ومنه مخالفة الحق مع المعرفة بأنه الحق.
ولما كان هذا محراً للتشوف إلى بيان هذا الردع، وكان العناد غلظة في الطبع وشكاسة في الخلق يوجب النكد والمشقة جعل جزاءه من جنسه فقال :( سأرهقه ) أي ألحقه بعنف وغلظة وقهر إلحاقاً يغشاه ويحيط به بوعيد لا خلف فيه ) صعوداً ) أي شيئاً من الدواهي والأنكاد كأنه عقبة، فإن الصعود لغة العقبة شاق المصعد جداً، وروي الترمذي عن أبي سعيد رضي الله عنه عن النبي ( ﷺ ) أنه جبل من نار يتصعد فيه سبعين خريفاً ثم يهوي، وفي رواية : أنه كلما وضع يده في معالجة الصعود ذابت، فإذا رفها عادت وكذا رجله، وقال الكلبي : إنه صخرة ملساء في النار يكلف أن يصعدها بجذب من أمامه بسلاسل الحديد، ويضرب من خلفه بمقامع الحديد فيصعدها في أربعين عاماً، فإذا بلغ ذروتها أسقط إلى أسفلها ثم يكلف أن يصعدها، فذلك دأبه أبداً.
المدثر :( ١٨ - ٢٥ ) إنه فكر وقدر
) إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ نَظَرَ ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ فَقَالَ إِنْ هَذَآ إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ إِنْ هَذَآ إِلاَّ قَوْلُ الْبَشَرِ ( ( )
ولما حصل التشوف إلى بعض ما عاند به الآيات، قال مبيناً لذلك مؤكداً لاستبعاد العقلاء لما صنع لبعده عن الصواب ومعرفة كل ذي لب أنه كذب :( إنه ) أي هذا العنيد ) فكر ) أي ردد فكره وأداره تابعاً لهواه لأجل الوقوع على شيء يطعن به في القرآن ) وقدر ) أي أوقع تقديراً للأمور التي يطعن بها فيه وقاتيها في نفسه ليعلم أيها أقرب إلى القولز ولما كان تفكيره وتقديره قد أوقع غيره في الهلاك بمنعه من حياة الإيمان أصيب هو بما منعه من حياة نافعة في الدارين، وذلك هو الهلاك الدائم.
ولما كان


الصفحة التالية
Icon