صفحة رقم ٢٢٩
للوليد هذا عشرة من البنين، كل واحد منهم كبيرة قبيلة، ولهم عبيد يسافرون في تجاراتهم ويعملون احتياجاتهم، ولا يحوجونهم إلى الخروج من البلد لتجارة ولا غيرها، وأسلم منهم ثلاثة : الوليد بن الوليد وخالد وهشام، وقيل : إنه لما نزل على النبي ( ﷺ ) أول سورة غافر إلى قوله :( ) المصير ( ) [ غافر : ٣ ] أو أول ( فصلت ) قرأها النبي ( ﷺ ) في المسجد والوليد يسمعه، فأعاد القراءة فانطلق الوليد حتى أتى مجلس قومه بني مخزوم، والله لقد سمعت من محمد ( ﷺ ) آنفاً كلاماً ما هو من كلام الإنس ولا من كلام الجن، إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر وإن أسفله لمعذق، وإنه ليعلو ولا يعلى، ثم انصرف فقالت قريش صبا والله الوليد، والله لتصبون قريش كلها، وكان يقال للوليد ريحانة قريش، فقال ابن أخيه أبو جهل : أنا أكفيكموه، فقعد إلى جنب الوليد حزيناً، فقال الوليد : ما لي أراك حزيناً يا ابن أخي ؟ قال : وما يمنعني وهذه قريش تجمع لك نفقة تعينك بها على كبر سنك وتزعم أنك صبوت، لتدخل على ابن أبي كبشة وابن أبي قحاف لتنال من فضل طعامهم، فغضب الوليد وقال : ألم تعمل قريش أني من أكثرها مالاً وولداً، وهل شبع محمد وأصحابه من الطعام فيكون لهم فضل ؟ ثم قام مع أبي جهل حتى أتى مجلس قومه وأداروا الرأي فيما يقولونه في القرآن فقالوا له : ما تقول في هذا الذي جاء به محمد ( ﷺ ) ؟ قال : قولوا أسمع لكم، قالوا : شعر، قال : ليس بشعر، قد علمنا الشعر كله، وفي رواية : هل رأيتموه يتعاطى شعراً ؟ قالوا : كهانة، قال : ليس بكهانة، هل رأيتموه يتكهن ؟ فعدوا أنواع البهت التي رموا بها القرآن فردها، وأقام الدليل على ردها، وقال : لا تقولوا شيئاً من ذلك إلا أعلم أنه كذب، قالوا : فقل أنت وأقم لنا فيه رأياً نجتمع عليه، قال : أقرب ذلك إليه السحر، هو يفرق بين المرء وأبيه وبين المرء وزوجه وعشيرته، فافترقوا على ذلك، وكان قوله هذا سبب هلاكه فكان كما قال بعضهم :
احفظ لسانك أيها الإنسان لا يلدغنك إنه ثعبان كم في المقابر من قتيل لسانه كانت تخاف لقاءة الشجعان
المدثر :( ٢٦ - ٣٠ ) سأصليه سقر
) سَأُصْلِيهِ سَقَرَ وَمَآ أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ لاَ تُبْقِي وَلاَ تَذَرُ لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ ( ( )
ولما انقضى بيان عناده فحصل التشوف لتفصيل جزائه في معاده، قال مبيناً لبعض ما أفهمه إرهاقه الصعود :( سأصليه ) أي بوعيد لا بد منه عن قرب ) سقر ) أي الدركة النارية التي تفعل في الأدمغة من شدة حموها ما يجل عن الوصف، فأدخله إياه وألوّحه في الشدائد حرها وأذيب دماغه بها، وأسيل ذهنه وكل عصارته بشديد