صفحة رقم ٢٣٨
ولما أقروا على أنفسهم بما أوجب العذاب الدائم، فكانوا ممن فسد مزاجه فتعذر علاجه، سبب عنه قوله :( فما تنفعهم ) أي في حال اتصافهم بهذه الصفات وهي حالة لازمة لهم دائماً ) شفاعة الشافعين ) أي لو شفعوا فيهم.
ولما كان هذا الإخباربنعيم المنعم وعذاب المعذب موجباً للتذكر، سبب عنه الإنكار عليهم فقال :( فما ) أي أيّ شيء يكون ) لهم ( حال كونهم ) عن التذكرة ) أي التذكر العظيم خاصة بالقرآن خصوصاً وبغيره عموماً ) معرضين ( وعلى الباطل وحده مقبلين، وذلك من أعجب العجب، لأن طبع الإنسان إذا حذر من شيء حذره أشد الحذر كما لو حذر المسافر من سبع في طريقه فإنه يبذل جهده في الحيدة عنه والحذر منه وإن كان المخبر كاذباً، فكيف يعرضون عن هذا المحذور الأعظم والمخبر أصدق الصادقي، فإعراضهم هذا دليل على اختلال عقولهم واختبال فهومهم، وزاد ذلك عجباً شدة نفارهم حتى ) كأنهم ( في إعراضهم عن التذكرة من شدة النفرة والإسراع في الفرة ) حمر ) أي من حمر الوحش وهي أشد الأشياء نفاراً، ولذلك كان أكثر تشبيهات العرب في وصف الإبل بسرعة السير بالحمر في عدوها إذا وردت ماء فأحست عليه ما يريبها، وفي تشبيه الكفرة بالحمر ولا سيما في هذه الحالة مذمة ظاهرة وتهجين لحالهم بين، وشهادة عليهم بالبله وقلة العقل وعدم التثبت ) مستنفرة ) أي موجدة للنفار بغاية الرغبة فيه حتى كأنها تطلبه من أنفسها لأنه من شأنها وطعبها - هذا على قراءة الجماعة، وقرأ أهل المدينة والشام بالفتح بمعنى أنه نفرها منفر.
المدثر :( ٥١ - ٥٦ ) فرت من قسورة
) فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِىءٍ مِّنْهُمْ أَن يُؤْتَى صُحُفاً مُّنَشَّرَةً كَلاَّ بَل لاَّ يَخَافُونَ الآخِرَةَ كَلاَّ إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَآءَ ذَكَرَهُ وَمَا يَذْكُرُونَ إِلاَّ أَن يَشَآءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ ( ( )
ولما كان ذلك لا يكون إلا لسبب عظيم يتشوف إليه، استأنف قوله :( فرت من قسورة ) أي أسد شديد القسر عظيم القهر فنشبت في حبائل سقر أو صيادين.
ولما كان الجواب قطعاًك لا شيء لهم في إعراضهم هذا، أضرب عنه بقوله :( بل يريد ) أي على دعواهم وبزعمهم ) كل امرئ منهم ) أي المعرضين، مع ادعائه الكمال في المروءة ) أن يؤتى ) أي من السماء بناه للمفعول لأن مرادهم معروف ) صحفاً ) أي قراطيس مكتوبة ) منشرة ) أي كثيرة جداً وكل واحد منها منشور لا مانع من قراءته وأخذه، وذلك أنهم قالوا للنبي ( ﷺ ) : لن نتبعك حتى تأتي كلاًّ منا بكتاب من السماء فيه : من الله إلى فلان اتبع محمداً ( ﷺ ).


الصفحة التالية
Icon