صفحة رقم ٢٤٨
- رواه البخاري عن ابن مسعود رضي الله عنه، وأما في الآخرة فإن الله يعطيه في ذلك اليوم قوة الذكرى حتى تصير أعماله كلها بين عينيه لأنه تعالى ينفي عنه الشوغل البدنية ويكشف عنه الحجب النفسانية حتى تصير أعماله ممثلة له كأنه يراها ولا تنفعه معذرته، لأن كل شيء يعتذر به عن نفسه يعرف كذبه بنفس وجوده لا بشيء خارج عنه تارة يكون خالقه أوجده على ما هو عليه من العلم وسلامة الأسباب المزيلة للعلل وتارة بإنطاق جوارحه.
ولما كان الإنسان يعتذر في ذلك اليوم عن كل سوء عمله، ويجادل أعظم مجادلة، وكان المجادل في الغالب يظن أنه لم يذنب أو لا يعلم له ذنباً، قال :( ولو ألقى ) أي ذكر بغاية السرعة ذلك الإنسان من غير تلعثم دلالة على غاية الصدق والاهتمام والتملق ) معاذيره ) أي كل كلام يمكن أن يخلص به، جمع عذر أو معذرة وهو إيساع الحيلة في دفع الخلل : وقال في القاموس : المعاذير : الستور والحجج جمع معذار، وذلك لاشتراكهما في مطلق الستر بالفتح والستر بالكسر في ستر المذنب والحجة في ستر الذنب فالمعنى أنه حجة على نفسه ولو احتج عنها واجتهد في ستر عيوبها، فلا تقبل منها الأعذار، لأنه قد أعطى البصيرة فأعماها بهون النفس وشهواتها، وتلك البصيرة هي نور المعرفة المركوز في الفطرة الأولى وهي كقوله تعالى :( لا ينفع الظالمين معذرتهم (.
ولما كان معنى هذا كله أن الإنسان محجوب في هذه الدار عن إدراك الحقائق بما فيه من الحظوظ والكسل والفتور، لما فيه من النقائص، وكان النبي ( ﷺ ) مبرءاً من ذلك لخلق الله له كاملاً وترقيته بعد ميلاده كل يوم في مراقي الكمال حتى صار إلى حد لا يشغله عن العلوم شيء فكان بحيث يرى مواقع الفتن خلال البيوت كمواقع القطر، ويرى من ورائه كما يرى من أمامه، ويقول :( والله لا يخفى عليّ خشوعكم ولا ركوعكم أني أراكم من وراء ظهري ) وكان ( ﷺ ) يرى في أشد الظلام وغير ذلك مما له ( ﷺ ) من رقة الجوهر الذي لم ينله أحد غيره، وذلك مام يدل على الكشف التام ولكنه كان ( ﷺ ) لتعظيمه لها فتستقصى، ولأنه كلام الملك الأعظم، وبأمره نزل إليه ( ﷺ ) مع رسوله جبريل عليه الصلاة والسلام، يعالج عند سماعه أول ما يأتيه شدة، فكان يحرك به لسانه استعجالاً