صفحة رقم ٢٥٣
الغم كأنها قد غرقت فيه فرسبت بعد أن سبرت أحوالها، فلم يظهر لها وجه خلاص، والباسل أبلغ من الباسر لكنه غلب في الشجاع لاشتداد كلوحه عند العراك، وتلك الوجوه عن ربها محجوبة، وإلى أنواع العذاب ناظرة.
القيامة :( ٢٥ - ٣٢ ) تظن أن يفعل.....
) تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ كَلاَّ إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ فَلاَ صَدَّقَ وَلاَ صَلَّى وَلَكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى ( ( )
ولما كان ظن الشر كافياً في الحذر منه والمبالغة في اتسعمال ما يحمي منه، قال دالاً على أنه عبر بالوجه عن الجملة :( تظن ) أي تتوقع بما ترى من المخايل :( أن يفعل ( بناه للمفعول لأن المحذور وقوع الشر لا كونه من معين ) بها ) أي بهم فإنه إذا أصيب الوجه الذي هو أشرف ما في الجملة كان ما عداه أولى ) فاقرة ) أي داهية تكسر الفقاره وهو عظم سلسلة الظهر الذي هو أصلب ما في العظام فتكون قاصمة الظهر، فالآية من الاحتباك : ذكر النظر في الأولى دليلى على ضده في الثانية، وذكر الفاقرة في الثانية دليل على ضدها في الأولى.
ولما ذكر محبتهم للعاجلة بالمضارع الدال على التجدد والاستمرار، فاقتضى ذلك أنه حب غيره منفك التجدد أصلاً، أخبر أنه ينقطع عن هول المطلع مع الدلالة على تمام القدرة، وأنه لا يرد قضاؤه، فقال رادعاً لمن يظن عدم انقطاعه :( كلا ) أي لا يدوم هذا الحب بل لا بد أن ينقطع انقطاعاً قبيحاً جداً.
ولما كان المحب للدنيا هو النفس، أضمرها لذلك ولدلالة الكلام عليها فقال ذاكراً ظرف ما أفهم حرف الردع تقديره من عدم المحبة :( إذا بلغت ) أي النفس المقبلة على العاجلة بأمر محقق - بما أفهمته أداة التحقق ) التراقي ) أي عظام أعالي الصدر، جمع ترقوة وهي العظام التي حول الحلقوم عن يمين ثغرة النحر وشمالها بين الثغرة وبين العاتق، ولكل إنسان ترقوتان، وهو موضع الحشرجة، لعله جمع المثنى إشارة إلى شدة انتشارها بغاية الجهد لما هي فيه من الكرب لاجتماعها من أقاصي البدن إلى هناك وضيق المجال عليها كأنها تريد أن تخرج من أدنى موضع يقرب منها، وهذا كناية عن الإشفاء على الموت وما أحسن قول حاتم الطائي وأشد التئامه مع ما هنا من أمر الروح :
أماويّ ما يغني الثراء عن الفتى إذا حشرجت يوماً وضاق بها الصدر
ولما كان أهل الميت يشتد انزعاجهم إذ ذاك ويشتد تطلبهم لما ينجي المحتضر من غير أن يفيدهم ذلك شيئاً، فكان قولهم كأنه لا قائل له على التعيين، بني للمفعول قوله :