صفحة رقم ٢٦
النخل ونحوه.
ولما كان منطوق ذلك أنه لا يجوز له إخراجها كارهة، ولا يجوز لها أن تخرج بنفسها فقط وهو كاره فأفهم ذلك أنهما لو اتفقا جاز لأن ذلك خارج عن المنهي، استثنى من كلا شقي المنهي عنه بقوله.
) إلآ أن يأتين ) أي جنس المطلقات الصادق بواحدة وأكثر ) بفاحشة ) أي خصلة محرمة شديدة القباحة ) مبينة ) أي ظاهرة في نفسها ظهوراً بيناً عند كل من أريد بيانها له، وذلك كالبذاءة منها على الزوج أو أقاربه فإنه كالنشوز يسقط حقها من السكنى، فيجوز له إخراجها لقطع الشر، وهو معنى قراءة أبي رضي الله عنه : إلا أن يفحشن عليكم، وكالزنا فتخرج بنفسها ويخرجها غيرها من الزوج وغيره لإقامة الحد عليها وغير ذلك من الفواحش كما أنه يطلقها للنشوز فإنه لا سكنى لها حينئذ.
ولما كان التقدير : هذه أحكام هذا الفرع، عطف عليه تعظيماً لها قوله تعالى :( وتلك ) أي الأحكام العالية جداً بما فيها من الجلالة وبانتسابها إلى الملك الأعلى من هذا الذي ذكر في هذه السورة وغيره ) حدود الله ) أي الملك الأعظم الذي هو نور السماوات والأرض.
ولما كان التقدير : فمن تحاماها فقد أنصف نفسه بأخذه النور المبين، عطف عليه قوله :( ومن يتعد ) أي يقع منه في وقت من الأوقات أنه يتعمد أن يعدو ) حدود الله ) أي الملك الأعظم ) فقد ظلم نفسه ( بأن مشاها في الظلام فصارت تضع الأشياء في غير مواضعها، فصار بمعرض الهلاك بالعقاب كما أن الماشي في الظلام معرض للوقوع في حقرة والدوس على شوكة أو حية أو عقرب أو سبع، أو لأن ينفرد بقاطع، أو أن يضل عن الطريق إلى مهالك لا يمكن النجاة منها، ومثال ذلك الحكيم إذا وصف دواء بقانون معلوم في وقت محدود ومكان مخصوص فخولف لم لم يضر يضر المخالف ذلك الحكيم وإنما ضر نفسه.
ولما كان له الخلق جميعاً تحت أوامره سبحانه مع أنها كلها خير لا شر فيه بوجه إسرار وإغوار، لا تدرك ولا تحصى، وقد يظهر بعضها لسان الحدثان بيد القدرة، وكان متعديها ظالماً وكانمن أقرب ظلمه وأبينه الإيقاع في مهاوي العشق، فسره سبحانه بقوله مبيناً عظمته بخطاب الإعلاء :( لا تدري ) أي يا أيها النبي الكرمي ما يكون عن ذلك من الأمور التي يحدثها الله لتشير على المطلق بشيء مما يصلحه فغيرك من باب الأولى.
ولما نفى عنه العلم المغيب لاختصاصه سبحانه به وحذف المتعلق إعراقاً في التعميم، وكان كل أحد فيما يحدث له من الأمور ما بين رجاء وإشفاق، عبر عن ذلك بأداة صالحة لها فقال :( لعل الله ) أي الذي بيده القلوب ومقاليد جميع الأمور ) يحدث ) أي يوجد شيئاً حادثاً لم يكن إيجاداً ثابتاً لا يقدر الخلق على التسبب في