صفحة رقم ٢٦٠
خلقه إلا وهو فيه شيء مذكور، وذلك أن الدهر هو الزمان، والزمان هو مقدار حركة الفلك - كما نقله الرازي في كتاب اللوامع في سورة ( يس ) عند قوله تعالى ( ولا الليل سابق النهار ) فإنه قال : الزمان ابتداؤه من حركات ا لسماء فإن الزمان مقدار حركات الفلك - انتهى وآدم عليه السلام تم الخلق بتمام خلقه في آخر يوم الجمعة أول جمعة كانت، وكانت طينته - قبل ذلك بمدة مخمرة هو فيها بين الروح والجسد، قال ابن مسعود رضي الله عنه : خلق الله آدم عليه السلام من تراب فأقام أربعين سنة ثم من طين أربعين سنة ثم من صلصال أربعين سنة ثم من حمإ مسنون أربعين سنة ثم خلقه بعد ستين ومائة سنة، وقال البغوي : قال ابن عباس رضي الله عنهما : ثم خلقه بعد عشرين ومائة سنة : فحينئذ ما أتى عليه زمان إلا وهو شيء مذكور إما بالتخمير وإما بتمام التصوير، فالاستفهام على بابه وهو إنكاري، وليست ( هل ) بمعنى ( قد ) إلا إن قدرت قبلها الهمزة، وكان الاستفهام إنكارياً لينتفي مضمون الكلام، والمراد أنه هو المراد من العالم، فحينئذ ما خلق الزمان إلا لأجله، فهو أشرف الخلائق، وهذا أدل دليل على بعثه للجزاء، فهل يجوز مع ذلك أن يترك سدى فيفنى المظروف الذي هو المقصود بالذات، ويبقى الظرف الي ما خلق إلا صواناً له، والذي يدل على ذلك من أقوال السلف أنه روي أن رجلاً قرأه لا عند ابن مسعود رضي الله عنه فقال : يا ليت ذلك لم يكن.
وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير : قوله تعالى :( هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً ) [ الإنسان : ١ ] تعريف الإنسان بحاله وابتداء أمره ليعلم أن لا طريق له للكبر واعتقاد السيادة لنفسه، وأن لا يغلطه ما اكتنفه من الألطاف الربانية والاعتناء الإلهي والتكرمة فيعتقد أنه يستوجب ذلك ويستحقه
٧٧ ( ) وما بكم من نعمة فمن الله ( ) ٧
[ النحل : ٥٣ ] ولما تقدم في القيامة إخباره تعالى عن حال منكري البعث عناداً واستكباراً وتعامياً عن النظر والاعتبار
٧٧ ( ) أيحسب الإنسان إن لن نجمع عظامه ( ) ٧
[ القيامة : ٣ ] وقوله بعد
٧٧ ( ) فلا صدق ولا صلى ولكن كذب وتولى ثم ذهب إلى أهله يتمطى ( ) ٧
[ القيامة : ٣١ - ٣٣ ] أي يتخبتر عنواً واستكباراً ومرحاً وتجبراً، وتعريفه بحاله التي لو فكر فيها لما كان منه ما وصف، وذلك قوله
٧٧ ( ) ألم يكن نطفة من مني يمنى ثم كان علقة فخلق فسوى ( ) ٧
[ القيامة : ٣٧ - ٣٨ ] أتبع ذلك بما هو أعرق في التوبيخ وأوغل في التعريف وهو أنه قد كان لا شيء فلا نطفة ولا علقة، ثم أنعم الله عليه بنعمة الإيجاد ونقله تعالى من طور إلى طور فجعله نطفة من ماء مهين في قرار مكين ثم كان علقة ثم مضغة إلى إخراجه وتسويته خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين، فمن اعتبر اتصافه بالعدم ثم تقلبه في هذه الأطوار المستنكف حاله والواضح فناؤها واضمحلالها، وأمده