صفحة رقم ٢٦٧
ولما كان المزاج يتكلف لنقله قال :( يفجرونها تفجيراً ) أي حال كونهم يشققونها ويجرونها بغاية الكثرة إجراء حيث أرادوا من مساكنهم وإن علت وغيرها.
ولما ذكر جزاءهم على برهم المبين لشكرهم، أتبعه تفصيله فقال مستأنفاً بياناً لأن شكرهم بالعظيم لأمر الله والشفقة على خلق الله وعمارة الظاهر والباطن لأنهم جمعوا بين كرم الطبع ولطافة المزاج الحامل على تجويز الممكن المقتضي للإيمان بالغيب :( يوفون ) أي على سبيل الاستمرار ) بالنذر ( وهذا كناية عن وفائهم بجميع أنحاء العبادة لأن من وفى بما أوفى، ويجوز أن يكون النذر كل ما تقدم إليهم فيه سبحانه.
ولما دل وفاؤهم على سلامة طباعهم، قال عاطفاً دلالة على جمعهم للأمرين المتعاطفين فهم يفعلون الوفاء لا لأجل الخوف بل لكرم الطبع :( ويخافون ) أي مع فعلهم للواجبات ) يوماً كان ) أي كوناً هو في جبلته ) شره ) أي ما فيه من الشدائد ) مستطيراً ) أي موجود الطيران وجوداً كأنه بغاية الرغبة فيه فهو في غاية الانتشار، والخوف أدل دليل على عمارة الباطن، قالوا : وما فارق الخوف قلباً إلا خرب، من خاف أدلج، ومن ادلج المنزل، فالخوف لاجتناب الشر ولاوفاء لاجتلاب الخير.
ولما كان من خاف شيئاً سعى في الأمن منه بكل ما عساه ينفع فيه، وكان قد ذكر تذرعهم بالواجب، أتبعه المندوب دلالة على أنهم لا ركون لهم إلى الدنيا ولا وثوق بها، فقد جمعوا إلى كرم الطبع بالوفاء ورقة القلب شرف النفس بالانسلاخ من الفاني فقال :( ويطعمون الطعام ) أي على حسب ما يتيسر لهم نم عال ودون على الدوام.
ولما كان الإنسان قد يسمع بما لا يلذ له قال :( على حبه ) أي حبه إياه حباً هو في غاية المكنة منهم والاستعلاء على قلوبهم لقلته وشهوتهم له وحاجتهم إليه كما قال تعالى :
٧٧ ( ) لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ( ) ٧
[ آل عمران : ٩٢ ] ليفهم أنهم للفضل أشد بذلاً، ولهذا قال ( ﷺ ) :( لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم أي الصحابة رضي الله عنهم - ولا نصيفه ) لقلة الموجود إذ ذاك وكثرته بعد ) مسكيناً ) أي محتاجاً احتياجاً يسيراً، فصاحب الاحتياج الكثير أولى ) ويتيماً ) أي صغيراً لا أب له ذكراً كان أو أنثى ) وأسيراً ) أي في أيدي الكفار أي أعم من ذلك، فيدخل فيه المملوك والمسجون والكفار الذي في أيدي المسلمين، وقد نقل في غزوة بد أن بعض