صفحة رقم ٢٦٩
الإنسان :( ١٠ - ١٧ ) إنا نخاف من.....
) إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَومِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُواْ جَنَّةً وَحَرِيراً مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ لاَ يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلاَ زَمْهَرِيراً وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلاَلُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَاْ قَوَارِيرَاْ مِن فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً ( ( )
ولما كانت الأنفس مجبولة على حب الجزاء والثناء، فكان لا يكاد يصدق أحد أن أحداً يفعل ما لا يقصد به شيئاً من ذلك، وكان الله سبحانه وتعالى قد منَّ علينا بأن جعل العبادة لأجل خوفه ورجائه لا يقدح في الإخلاص، عللوا قولهم هذا على وجه التأكيد بقولهم :( إنا نخاف ( ولما كان الخوف من المحسن بالنظر إلى إحسانه موجباً للخوف منه بالنظر إلى عزه وجبروته وسلطانه من باب الأولى قالوا :( من ربنا ) أي الخالق لنا المحسن إلينا ) يوماً ) أي أهوال يوم هو في غاية العظمة، وبينوا عظمته بقولهم :( عبوساً ) أي ضيقاً قاله ابن عباس رضي الله عنهما، نسبوا العبوس إليه لأنه في شدته كالأسد الغضوب، فهو موجب لعبوس الوجوه فيه أو هو لعبوس أهله ك ( ليلة قائم ونهاره صائم وعيشة راضية ) ) قمطريراً ) أي طويلاً قاله ابن عباس رضي الله عنهما، أو شديد العبوس مجتمع الشر كالذي يجمع ما بين عينيه مأخوذ من الطقر لأن يومه يكون عابساً، وزيد فيه الميم وبولغ فيه بالصيغة، وهو يوم القيامة، يقال : اقمطر اليوم فهو مقمطر - إذا كان صعباً شديداً.
ولما كان فعلهم هذا خالصاً لله، سبب عنه جزاءهم فقال مخبراً أنه دفع عنهم المضار وجلب لهم المسار :( فوقاهم الله ) أي الملك الأعظم بسبب خوفهم ) شر ذلك اليوم ) أي العظيم، وأشار إلى نعيم الظاهر بقوله :( ولقّاهم ) أي تلقية عظيمة فيه وفي غيره ) نضرة ) أي حسناً ونعمة تظهر على وجوههم وعيشاً هنيئاً، وإلى نعيم الباطن بقوله :( وسوراً ) أي دائماً في قلوبهم في مقابلة خوفهم في الدنيا على المبالغة في عبوس أهله، وأشار إلى المسكن بقوله :( وجزاهم بما صبروا ) أي بسبب ما أوجدوه من الصبر على العبادة من لزوم الطاعة واجتناب المعصية ومنع أنفسهم الطيبات وبذل المحبوبات ) جنة ) أي بستاناً جامعاً يأكلون منه ما يشتهون جزاء على ما كانوا يطعمون.
ولما ذكر ما يكسو الباطن، ذكر ما يكسو الظاهر فقال :( وحريراً ) أي هو في غاية العظمة.
ولما ذكر أنه كفاهم المخوف وحباهم الجنة، أتبعه فيها وحالها فقال دالاًّ على راحتهم الدائمة :( متكئين فيها ) أي لأن كل ما أرادوه حضر إليهم من غير حاجة