صفحة رقم ٢٧٣
ولما ذكر المخدوم والخدم شرع في ذكر المكان فقال :( وإذا رأيت ) أي أجلت بصرك، وحذف مفعوله ليشيع ويعم ) ثم ( هناك في أي مكان كان وأي شيء كان ) رأيت نعيماً ) أي ليس فيه كدر بوجه من الوجوه، ولما كان النعيم قد يكون في حالة وسطى قال :( وملكاً كبيراً ) أي لم يخطر على بال مما هو فيه من السعة وكثرة الموجود والعظمة أدناهم وما فيهم دني الذي ينظر في ملكه مسيرة ألف عام يرى أقصاه كما يرى ومهما أراده كان.
ولما ذكر الدار وساكنيها من مخدوم وخدم، ذكر لباسهم بانياً حالاً من الفاعل والمفعول :( عليهم ) أي حال كون الخادم والمخدوم يعلو أجسامهم على سبيل الاستئناف ) ثياب سندس ( وهو ما رق من الحرير ) خضر ( رفعه الجماعة صفة لثياب، وجره ابن كثير وحمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم صفة لسندس حملاً على المعنى فإنه اسم جنس ) وإستبرق ( وهو ما غلظ من الديباج يعمل بالذهب، أو هو ثياب حرير صفاق نحو الديباج قاله في القاموس، رفعه ابن كثير ونافع وعاصم ونسقاً على ثياب، وجره الباقون على سندس.
ولما كان المقصود لأرباب اللباس الفاخر الحلية، أخبر عن تحليتهم، وبني الفعل للمفعول دلالة على تيسر ذلك لهم وسهولته عليهم فقال :( وحلّوا ) أي وجدت تحلية المخدومين والخدم ) أساور من فضة ( وإن كانت تتفاوت بتفاوت الرتب، وقتدم سر تخصيص هذه السورة بالفظة والأساور بجمع ما فيها من لذة الزينة لذة اتساع الملك فإنها كناية عنه فإنه كما قال الملوي كان في الزمن القديم إذا ملك ملك أقاليم عظيمة كثيرة لبس سواراً وسمي الملك المسور لاتساع مملكته وعظمتها وكثرة أقاليمها، وإن لم تجمع أقاليم لم يسور فما ظنك بمن أعطى من ذلك جميع الكثرة، وهي بالغة في الأعضاء ما يبلغ التحجيل في الوضوء كما قال ( ﷺ ) :( تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء ) فلذا كان أبو هريرة رضي الله عنه يرفع الماء إلى المنكبين وإلى الساقين.
ولما كان ربما ظن بما تقدم من ذلك الممزوج شيء من نقص لأجله يمزج كما هو في الدنيا، وكان قد قال أولاً ) يشربون ( بالبناء للفاعل، وثانياً ( يسقون ) بالبناء للمفعول، قال بانياً للفاعل بياناً لفضل ما يسقونه في نفسه وفي كونه من عند الإله


الصفحة التالية
Icon