صفحة رقم ٢٧٥
لما لهم من الإنكار ولتطمئن أنفس أتباعه بما حث عليهم من الصبر إلى وقت الإذن في القتال :( إنا نحن ) أي على ما لنا من العظمة التي لا نهاية لها، لا غيرها ) نزلنا عليك ( وأنت أعظم الخلق إنزالاً استعلى حتى صار المنزل خلقاً لك ) القرآن ) أي الجامع لكل هدى، الحافظ من الزيغ، كما يحفظ الطب للصحيح صحة المزاج، الشافي لما عساه يحصل من الأدواء بما يهدي إليه من العلم والعمل، وزاد في التأكيد لعظيم إنكارهم فقال :( تنزيلاً ) أي على التدريج بالحكمة جواباً للسائل ورفقاً بالعباد فدرجهم في وظائف الدين تدريجاً موافقاً للحكمة، ولم يدع لهم شبهة إلا أجاب عنها، وعلمهم جميع الأحكام التي فيها رضانا، وأتاهم من المواعظ والآداب والمعارف بما ملأ الخافقين وخصصناك به شكراً على سيرتك الحسنى التي كانت قبل النبوة، وتجنبك كل ما يدنس، فلما كان بتنزيلنا كان جامعاً للهدى لما لنا من إحاطة العلم والقدرة، فلا ناظرة إلى قوله في القيامة
٧٧ ( ) لا تحرك به لسانك ( ) ٧
[ القيامة : ١٦ ] الملتفتة إلى ما في المدثر من أن هذه تذكرة، الناظرة إلى ) أنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً ( المشيرة إلى ما في سورة الجن من أمر القرآن، فالحاصل أن أكثر القرآن في تقرير عظمة القرآن، فإنه المقصود بالذات من أمر الآية الكبرى التي إذا ثبتت تبعها جميع المراد من الشريعة وتفريق تقرير شأنه أتقن ما يكون في إحكام أمره، وذلك أن الحكيم إذا اهتم بشيء افتتح الكلام به، فإذا رأى من ينكره انتقل إلى غيره على قانون الحكمة، ثم يصير يرمي به في خلال ذلك، رمياً كأنه غير قاصد له، ولا يزال يفعل ذلك حتى يتقرر أمره غاية التقرير ويثبت في النفس من حيث لا يشعر.
ولما تقرر أن من الناس من ترك الهدى الذي هو البيان، فعمي عنه لإعراضه عنه، سبب عن هذا الإنزال وذاك الضلال قوله منبهاً على أمراض القلوب، ومرشداً إلى دوائها :( فاصبر لحكم ربك ) أي المحسن إليك بتخصيصه لك بهذه النعمة على ضلال من حكم بضلاله، وعلى كل ما ينوبك وأطعه في التعبد له بجميع ما أمرك به من الرفق إلى أن يأمرك بالسف، واستعن على مر الصبر باستحضار أن المربي الشفيق يربي بما يشاء من المر والحلو على حسب علمه وحكمته، والصبر : حبس النفس وضبطها على مقاومة الهوى لئلا تنقاد إلى شيء من قبائح اللذات.
ولما أمره سبحانه بالصبر، وكان الأمر به مفهماً وجوده للمخالف، وكان المخالفون له ( ﷺ ) هم القسم المضاد للشاكر وهم الكفرة، وكان ما يدعونه إليه تارة مطلق إثم، وأخرى كفراً وتارة غير ذلك، ذكر النتيجة ناهياً عن القسمين الأولين ليعلم أن


الصفحة التالية
Icon