صفحة رقم ٢٨٩
جمل مثل حجارة وحجر للدلالة مع كبره على كثرته وتتابعه واختلاطه وسرعة حركته، ومن قرأ بضم الجيم فهو عنده جمع جمالة وهي الحبل الغليظ من حبال السفينة شبهه به في امتداده والتفافه، ولا تنافي فإن الشرر منه ما هو كما تقدم ) صفر ( جمع أصفر للون المعروف، وقيل : المراد به سواد يضرب إلى صفرة كما هي ألوان الجمال.
ولما كان هذا أمراً هائلاً كانت ترجمته :( ويل يومئذ ) أي إذ يكون ذلك ) للمكذبين ) أي العريقين في التكذيب بإلقاء الذكر على الأنبياء للبشارة والندارة.
ولما دلت قراءة ( انطلقوا ) بالفتح على امتثالهم للأمر من غير أن ينبسوا بكلمة، صرح به فقال دالاً على ما هم فيه من المقت والغضب :( هذا ) أي الموقف الذي هو بعض مواقف ذلك اليوم، سمي يوماص لتمام أحكامه، فلذا قال مخبراً عن المبتدأ :( يوم لا ينطقون ) أي ببنت شفة من شدة الحيرة والدهشة في بعض المواقف، وينطقون في بعضها فإنه يوم طويل ذو ألوان كما قاله ابن عباس رضي الله عنهما، أو لا ينطقون بما ينفعهم لأنهم كانوافي الدنيا لا ينطقون بالتوحيد الذي ينفعهم.
ولما كانوا لا يقدروا على شيء ما إلا بإذن الله، وكان الموجع لهم عدم الإذن، بني للمفعول قوله دلالة على عدم ناصر لهم أو فرج يأتيهم :( ولا يؤذن ) أي من آذن ما ) لهم ) أي في كلام أصلاً، ولما كان المراد أنه لا يوجد لهم إذن ولا يوجد منهم اعتذار من غير أن ينظر إلى تسببه عن عدم الإذن لئلا يفهم أن لهم عذراً ولكنهم لم يبدوه لعدم الإذن، قال رافعاً عطفاً على ( يؤذن ) ) فيعتذرون ( فدل ذلك على نفي الإذن ونفي الاعتذار عقبه مطلقاً، ولو نصبه لدل على أن السبب في عدم اعتذارهم عدم الإذن فينقض المعنى.
ولما كان هذا أمراً فظيعاً ترجمه بقوله :( ويل يومئذ ) أي إذ كان هذا الموقف ) للمكذبين ) أي العريقين في التكذيب الإخبار بطمس النجوم فجعلت عقوبتهم سكوتهم الذي هو ذهاب نور الإنسان ليكون كالطمس كذبوا به.
ولما ذكر حيرتهم ودهشتهم التي هي أمارة قول الحكم، وكانت مواطن ذلك اليوم تسمى أياماً لتمام الأحكام في كل مواطن منها، وتميزه بذلك عما عداه، قال :( هذا ) أي ذلك اليوم كله ) يوم الفصل ) أي بين ما اختلف فيه العباد من الحق والباطل العالي والسافل ؛ ثم استأنف قوله :( جمعناكم ) أي يا مكذبي هذه الأمة لنا من العظمة ) والأولين ) أي الذين تقدم أنا أهلكناهم، وقد كانوا أكثر منكم عدداً وأعظم عدداً لنفصل بين المتنازعين ونصلي العذاب ونجزي بالثواب، وقد كان منكم من يقول : أنا


الصفحة التالية
Icon