صفحة رقم ٢٩٩
ولما ذكر بدايته، أتبعها نهايته فقال :( لنخرج ) أي بعظمتنا التي ربطنا بها المسببات بالأسباب ) به ) أي الماء تسبيباً ) حباً ) أي نجماً ذا حب هو مقصوده لأنه يقتاته العباد، صرح به لأنه المقصود وبدأ به لأنه القوت الذي به البقاء كالحنطة والشعير وغيرهما ) ونباتاً ( يتفكهون ويتنزهون فيه وتعتلفه البهائم.
ولما كان من المشاهد الذي لا يسوغ إنكاره أن في الأرض من البساتين ما يفوت الحصر، عبر بجمع القلة تحقيراً له بالنسبة إلى باهر العظمة ونافذ الكلمة فقال :( وجنات ) أي بساتين تجمع أنواع الأشجار والنبات المقتات وغيره ) ألفافاً ) أي ملتفة الأشجار مجتمعة بعضها إلى بعض من شدة الري، جمع لف كجذع، قال البغوي : وقيل : هو جمع الجمع، يقال : جنة لفاء، وجمعها لف بضم اللام، وجمع الجمع ألفاف.
وتضمن هذا الذي ذكره المياه النابعة الجارية والواقفة، فاكتفى بذكره عن ذكرها، قال مقاتل : وكل من هذا الذي ذكر أعجب من البعث.
النبأ :( ١٧ - ٢٢ ) إن يوم الفصل.....
) إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتاً يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً وَفُتِحَتِ السَّمَآءُ فَكَانَتْ أَبْوَاباً وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً لِّلطَّاغِينَ مَآباً ( ( )
ولما ذكر ما دل على غاية القدرة ونهاية الحكمة فدل قطعاً على الوحدانية لأنه لو كان التعدد لم تكن الحكمة ولم تتم القدرة، فأثمر المحبة لمن اتصف بذلك، فأنتج للطائع الشوق إلى لقائه والترامي إلى مطالعة كما نعمائه، وللعاصي ما هو حقيق به من الخوف من لقائه ليرده ذلك عن إعراضه وإبائه، أتبع ما أعلم أنه ما ذكره إلا للدلالة على النبأ العظيم في لقاء العزيز الرحيم، فقال منتجاً عما مضى من الوعيد وما دل على تمام القدرة مؤكداً لأجل إنكارهم :( إن يوم الفصل ) أي الذي هو النبأ العظيم، وتقدم الإنذار به في المرسلات وما خلق الخلق إلا لجمعهم فيه وإظهار صفات الكمال ليفصل فيه بين كل ملبس فصلاً لا شبهة فيه ويؤدخ للمظلوم من الظالم ) كان ) أي في علم الله وحكمته كوناً لا بد منه جعل فيه كالجبلة في ذوي الأرواح ) ميقاتاً ) أي حداً يوقت به الدنيا وتنتيه عنده مع ما فيها من الخلائق.
ولما ذكره، ذكر ما يه تعظيماً له وحثاً على الطاعة فقال مبدلاً منه أو مبيناً له :( يوم ( ولما كان الهائل المفزع النفخ، لا كونه من معين، بنى للمفعول قوله ) ينفخ ) أي من نافخ أذن الله له ) في الصور ( وهو قرن من نور على ما قيل سعته أعظم ما بين السماء والأرض وهي نفخة البعث وهي الثانية من النفاخات الأرض كما مر في آخر الزمر، ولذلك قال :( فتأتون ) أي بعد القيام من القبور الموقف أحياء كما كنتم أول