صفحة رقم ٣٠
ذلك قوله :( ومن يتوكل ) أي يسند أموره كلها ويفوضها معتمداً فيها ) على الله ) أي الملك الذي بيده كل شيء ولا كفوء له فقد جمع الأركان الثلاثة التي لا يصلح التوكيل إلا بها، وهي العلم المحيط لئلا يدلس عليه، والقدرة التامة لئلا يعجز، والرحمة بالمتوكل والعناية به لئلا يحيف عليه، والتوكل يكون مع مباشرة الأسباب وهو من المقامات العظيمة وإلا اتكالاً، وليس بمقام بل خسة همة وعدم مروءة، لأنه إبطال حكمة الله التي أحكمها في الدنيا من ترتيب المسببات على الأسباب - قاله الملوي ) فهو ) أي الله في غيب غيبه فضلاً عن الشهادة بسبب توكله ) حسبه ) أي كافيه، وحذف المتعلق للتعميم، وحرف الاستعلاء للاشارة إلى أنه قد حمل أموره كلها عليه سبحانه لأنه القوي الذي لا يعصيه شيء، والكريم الذي يحسن حمل ذلك ورعيه، والعزيز الذي يدفع عنه كل ضار ويجلب له كل سار، إلى غير ذلك من المعاني الكبار، فلا يبدو له في عالم الشهادة شيء يشقيه لا من الغيب ولا من غيب الغيب، وفي الحديث ( لو أنكم توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصاً وتورح بطاناً ) ان ضرب المقادير من القادر موجباً لعدم الغخلال بشيء منها، علل ذلك بما اقتضى تحتم الوعد والتوكل فقال :( قد جعل الله ) أي الملك الذي لا كفوء له ولا معقب لحكمه جعلاً مطلقاً من غير تقيد بجهة ولا حيثية ) لكل شيء قدراً ) أي تقديراً لا يتعداه في مقداره وزمانه ومكانه وجميع عوارضه وأحواله وإن اجتهد جميع الخلائق في أن يتعداه، فمن توكل استفاد الأجر وخفف عنه الألم، وقذف في قلبه السكينة، ومن لم يتوكل لم ينفعه ذلك، وزاد أمله وطال غمه بشدة سعيه وخيبة أسبابه التي يعتقد أنها هي المنجحة، فمن رضي فله الرضى ومن سخط فله السخط، جف القلم فلا يزاد في المقادير شيء ولا ينقص منها شيء، ويحكى أن رجلاً أتى عمر رضي الله عنه فقال :