صفحة رقم ٣٠٥
جاوز العد وقال : حسبي، لا يمكن أن يحتاج مع هذا العطاء وإن زاد في الإنفاق، واختير التعبير به دون ( كافياً ) مثلاً لأنه أوقع في النفس، فإنه يقال : إذا كان هذا الحساب فما الظن بالثواب.
ولما ذكر سبحانه سعة فضله، وصف نفسه الأقدس بما يدل على عظمته زيادة في شرف المخاطب ( ﷺ ) لأن عظمة العبد على حسب عظمة السيد، فقال مبدلاً على قراءة الجماعة وقاطعاً بالرفع على المدح عند الحجازيين وأبي عمرو :( رب السماوات والأرض ) أي مبدعهما ومدبرهما ومالكهما ) وما بينهما ( ملكاً وملكاً.
ولما شمل ذلك العرش وما دونه، علله بقوله :( الرحمن ) أي الذي له الإنعام العام الذي أدناه الإيجاد، وليس ذلك لأحد غيره، فإن الكل داخل في ملكه وملكه، ولذلك قال دالاً على الجبروت بعد صفة الرحمة :( لا يملكون ) أي أهل السماوات والأرض ومن بين ذلك أصلاً دائماً في وقت من الأوقات في الدنيا ولا في الآخرة لا في يوم بعينه :( منه ) أي العام النعمة خاصة ) خطاباً ( أيأن يخاطبوه أو يخاطبوا غيره بكلمة فما فوقها في أمرهم في غاية الاهتمام في غاية الاهتمام به بما أفاده التعبير بالخطاب، فكيف بما دونه وإذا لم يملكوا ذلك منه فمن والكمل في ملكه وملكه ؟ وعدم ملكهم لأن خاطبهم مفهوم موافقة، والحاصل أنهم لا يقدرون على خطاب ما من ذوات أنفسهم كما هو شأن المالك.
وأما غيره فقد يملكون أن يكرهوه على خطابهم وأن يخاطبوه بغير إذن من ذلك الغير ولا رضى وبغير تملك منه لهم لأنه لا ملك له، وإذا كان هذا في الخطاب فما ظنك بمن يدعي الوصال بالاتحاد عليهم اللعنة ولهم سوء المآب، ما أجرأهم على الاتحاد وقال الأستاذ أبو القاسم القشيري : كيف يكون للمكون المخلوق والفقير المسكين مكنة تملك منه خطاباً أو تتنفس نفساً كلا بل هو الله الواحد الجبار.
ولما كان هذا ربما أفهم سد باب الشفاعة عنده سبحانه، وكان الكلام إنما ينشأ من الروح، وكان الملائكة أقرب شيء إلى الروحية، أكد هذا المعنى مزيلاً ما قد يوهمه في الشفاعة سواء قلنا : إن الروح هنا جنس أم لا، فقال ذاكراً ظرف ( لا يتكلمون ) ) يوم يقوم الروح ) أي هذا الجنس أو خلق من خلق الله عظيم الشأن جداً، قيل : هو الملك الموكل بالأرواح أو جبرائيل عليه السلام، أو القرآن المشار إليه بمثل قوله تعالى
٧٧ ( ) تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر ( ) ٧
[ القدرة : ٤ ]
٧٧ ( ) وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ( ) ٧
[ الشورى : ٥٢ ] قاله ابن زيد ) والملائكة ) أي كلهم، ونبه بالاصطفاف على شدة الأمر فقال :( صفاً ( للقاء ما في ذلك اليوم من شدائد الأهوال ولحفظ الثقلين وهم في وسط دائرة صفهم من الموج والاضطراب لعظيم ما هم فيه، ثم زاد الأمر عظيماً


الصفحة التالية
Icon