صفحة رقم ٣٠٩
في قسمه يعني الاعتبار بما آتاهم الله من القدرة على ذلك النزع الدالة على تمام الحكمة والاقتدار على ما يريده سبحانه.
ولما ذكر الشد مبتدئاً به لأنه أهول، أتبعه الرفق فقال :( والناشطات ) أي المخرجات برفق للأرواح أو لأجنحتها من محالها ) نشطاً ) أي رفقاً فلا تدع وإن كان رفيقاً بين الروح والسجد تعلقاً كما ينشط الشيء من العقال أي يحل من عروة كانت عقدت على هيئة الأنشوطة، قال الفراء إنه سمع العرب يقولون : نشطت العقال إذا حللته، وأنشطت إذا عقدت بأنشوطة والنشط أيضاً : الجذب والنزع، يقال : نشطت الدلو نشطاً إذا نزعتها.
انتهى، والنشط والإنشاط مدك الشيء إلى نفسك حتى ينحل، وكان هذا الأرواح أهل الطاعة، وكذلك نزع النبات والإنساء والإنماء لكل ما يراد نزعه أو نشطه، فالذي قدر بعض عبيده على هذا الذي فيه تمييز الأرواح من غيرها على ما لها من اللطافة وشدة الممازجة قادر على تمييز جسد كل ذي روح من جسد غيره بعد ان صار كل تراباً واختلط بتراب الآخر.
ولما ذكر نوعي السل بالشد والرفق، ذكر فعلها في إقبالها إليه ورجوعها عنه فقال :( والسابحات ) أي من الملائكة أيضاً في الجو بعد التهيؤ للطيران إلى ما أمرهم الله به من أوامره من الروح أو غيرها ) سبحاً ( هو في غاية السرعة لأنه لا عائق لها بل قد أقدرها الله علىالنفوذ في كل شيء كما أقدر السابح في الماء والهواء، ولذلك نسق عليه بالفاء قوله :( فالسابقات ) أي بعد السبح في الطيران إلى ما أمروا به من غمس الأرواح في النعيم أو الجحيم أو غير ذلك مما أمروا به في أسرع من اللمح مع القدرة والغلبة لجميع ما يقع محاولته ) سبقاً (.
ولما بان بذلك حسن امثتالها للأوامر، بان به عظيم نظرها في العواقب فدل على ذلك بالفاء في قوله :( فالمدبرات ) أي الناظرات في أدبار الأمور وعواقبها لإتقان ما أمروا به في الأرواح وغيرها ) أمراً ) أي عظيماً، ويصح أن يكون للشمس والقمر والكواكب والرياح والخيل السابحة في الأرض والجو لمنفعة العباد وتدبير أمورهم، وبعضها سابق لبعض، وبه قال بعض المفسرين، والجواب بحذوف إشارة إلى أنه من ظهور العلم به بدلالة ما قبله وما بعده عليه في حد لا مزيد عليه، فهو بحيث لا يحتاج إلى ذكره فحذفه كإثباته بالبرهان فتقديره : لتذهبن بالدنيا التي أنتم بها مغترون لنزعنا لها من حالها وتقطيع أوصالها، فإن كل ما تقدم من أعمال ملائكتنا هو من مقدمات ذلك تكذيباً لقول الكفار
٧٧ ( ) ما هي إلا حياتنا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر ( ) ٧
[ الجاثية : ٢٤ ] المشار إليه بتساؤلهم عنها لأنه على وجه الاستهزاء والتكذيب ولتقومن


الصفحة التالية
Icon