صفحة رقم ٣١٥
النازعات :( ٢٠ - ٢٨ ) فأراه الآية الكبرى
) فَأَرَاهُ الآيَةَ الْكُبْرَى فَكَذَّبَ وَعَصَى ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى فَحَشَرَ فَنَادَى فَقَالَ أَنَاْ رَبُّكُمُ الأَعْلَى فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الآخِرَةِ وَالأُوْلَى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَى أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّمَآءُ بَنَاهَا رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا ( ( )
ولما كان التقدير : فذهب إليه كما أمره الله تعالى، فقال له ذلك فطلب الدليل على صحة الرسالة واستبعد أن يختص عنه بهذه المنزلة العلية وقد رباه وليداً ) فأراه ) أي فتسبب عن طلبه له أنه دل على صدقه بأنه أراه ) الآية ) أي العلامة الدالة على ذلك ) الكبرى ( وهي قلب العصا حية أو جميع معجزاته ) فكذب ) أي فتسبب عن رؤية ذلك أنه أوقع التكذيب بشيء إنما يقتضي عند رؤيته التصديق ) وعصى ) أي أوقع العصيان، وهو الإباء الكبير والتكبر عن امتثال مادعي إليه مجموعاً إلى التكذيب بعد إقامة الدليل على الصدق وتحقق الأمر.
ولما كان التمادي على التكذيب ممن رأى وعرف الحق ولا سيما إذا كان كبيراً مستبعداً جداً، أشار إليه بأداة التراخي مع دلالتها على حقيقة التراخي أيضاً فقال :( ثم أدبر ) أي فرعون بعد المهلة والأناة إدباراً عظيماً بالتمادي على أعظم مما كان فيه من الطغيان بعد خطوب جليلة ومشاهد طويلة.
حال كونه ) يسعى ) أي يعمل بغاية جهد عمل من هو مسرع غاية الإسراع في إبطال الأمر الرباني بقلة عقله وفسد رأيه وأبى أن يقبل الحق ) فحشر ) أي فتسبب عن إدباره ساعياً وتعقبه أنه جمع السحرة طوعاً وكرهاً وزاد عليهم أيضاً جنوده ) فنادى ) أي في المجامع ) فقال ) أي مناديه الذي لا يشك أنه عنه، فكان قوله كقوله :( أنا ( وقال حمزة الكرماني : قال له موسى عليه السلام : إن ربي أرسلني إليك، لئن آمنت بربك تكون أربعمائة سنة في السرور والنعيم، ثم تموت فتدخل الجنة، فقال : حتى أستشير هامان، فاستشاره فقال : أتصير عبداً بعد ما كنت رباً تعبد، فعند ذلك بعث الشرط وجمع السحرة والجنود، فلما اجتمعوا قام عدو الله على سريره فقال : أنا ) ربكم الأعلى ( فكان هذا نداؤه يعني كلكم أرباب بعضكم فوق بعض وأنا أعلاكم، ولا رب فوقي أصلاً، وذلك لأن الإله عنده الطبيعة، وهي مقسمة في الموجودات، فهم كلهم أرباب، ومن كان أعلى كان أقعد في المراد، وهو كان أعلى منهم فقبحه الله ولعنه ولعن من تمذهب بمذهبه كابن عربي وابن الفارض وأتباعهما حيث أنكروا المختار الملك ثم الحلاج بعد فرعون هذا الذي لم يصرح الله بذم أحد ما صرح بذمه، ولم يصرح بشاق أحد ما صرح بشقائه، كهذه الآية فإنها مصرحة بوقوع نكاله في الآخرة كما وقع في الدنيا، وقوله تعالى :( ) فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم فانظر كيف كان