صفحة رقم ٣٢٤
( ﷺ ) بسياق الغيبة كما قال سعد بن معاذ رضي الله عنه لما حكم في بني قريظة : وعلى من ههنا يشير إلى ناحية النبي ( ﷺ ) وهو معرض عنها حياء منه ( ﷺ ) وإجلالاً له :( عبس ) أي فعل الذي هو أعظم خلقنا ونجله عن أن نواجهه بمثل هذا العتاب بوجهه فعل الكاره للشيء من تقطيب الوجه بما له من الطبع البشري حين يحال بينه وبين مراده، وآذن بمدحه ( ﷺ ) بأن ذلك خلاف ما طبعه عليه سبحانه من حرمة المساكين ومحبتهم والسرور بقرهم وصحبتهم بقوله ) وتولى ) أي كلف نفسه الإعراض عنه رجاء أن يسلم أولئك الأشراف الذين كان يخاطبهم فيتأيد بهم الإسلام ويسلم بإسلامهم أتباعهم فتلعو كلمة الله لأجل ) أن جاءه الأعمى ( الذي ينبثي أن يبالغ في العطف عليه وفي إكرامه جبراً لكسره واعترافاً بحقه في مجيئه، وذكره بالوصف للإشعار بعذره في الإقدام على قطع الكلام والبعث على الرأفة به والحرمة له، فكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا رآه بعد ذلك قال :( مرحباً بمن عاتبني فيه ربي ) واستخلفه على المدينة الشريفة عند غزوه مرتين، قال أنس بن مالك رضي الله عنه : ورأيته يوم القادسية عليه درع ومعه راية سواداء رضي الله عنه.
ولما عرف بسياق الغيبة ما أريد من الإجلال، وكان طول الإعراض موجباً للانقباض، أقبل عليه ( ﷺ ) فقال :( وما يدريك ) أي وأي شيء يجعلك داراً بحاله وإن اجتهدت في ذلك فإن ذوات الصدور لا يعلمها إلا الله تعالى ) لعله ) أي الأعمى ) يزكى ) أي يكون بحيث يرجى تطهره ونمو أحواله الصالحة بما يسمع منك ولوعلى أدنى الوجوه بما يشير إليه إدغام تاء الافتعال، وكذا قوله :( أو يذكر ) أي أو يقع منه التذكر لشيء يكون سبباً لزكائه وتذكره ولو كان ذلك منه على أدنى الوجوه المخرجة من الكفر فإن الخير لا يحقر شيء منه، وسبب عن تزكيه وتذكره قوله :( فتنفعه ) أي عقب تذكره وسببه ) الذكرى ( وفي ذلك إيماء إلى أن الإعراض كان لتزكية غيره وتذكره، وقراءة النثب على أنه جواب ( لعل ).
ولما ذكر العبوس والتولي عنه فأفهما ضدهما لمن كان مقبلاً عليهم، بين ذلك فقال :( أما من استغنى ) أي طلب الغنى وهو المال والثورة فوجده وإن لم يخش ولم يجئ إليك ) فأنت له ) أي دون الأعمى ) تصدى ) أي تتعرض بالإقبال عليه والاجتهاد في وعظه رجاء إسلامه وإسلام أتباعه بإسلامه وهم عتبة بن ربيعة وأبو جهل وأبي وأمية ابنا خلق، وأشار حذف تاء التفعل في قراءة الجماعة وإدغامها في قراءة نافع وابن كثير إلى أن ذلك كان على وجه خفيف كما هي عادة العقلاء.