صفحة رقم ٣٣٨
من عالم الغيب والملكوت، وهو أمور ستة على عدد ما مضى من عالم الملك والشهادة ترغيباً في الأعمال الصالحة والقرناء الصالحين لئلا يزوج بما يسوءه وابتدأ بما يناسب تكوير الشمس :( وإذا النفوس ) أي من كل ذي نفس من الناس وغيرهم ) زوجت ) أي قرنت بأبدانها وجمع كل من الخلق إلى ما كانت نفسه تألفه وتنزع إليه، فكانوا أصنافاً كما قال تعالى ) ) احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون من دون الله ( ) [ الصافات : ٢٢، ٢٣ ] والتفاف الأزواج كالتفاف الشمس حتى يذهب نورها.
ولما صرح الأمر فكانت القلوب أحر من الجمر، ذكر ما هو المقصود الأعظم وهو السؤال على وجه يفهم العموم فقال :( وإذا الموءودة ) أي ما دفن من الأولاد لما يوضع عليها من التراب فيثقلها فيقتلها ( وأداً ) مقلوب ( آداً ) إذا أثقل، وإلقاؤها في البئر المحفور لها قرب من انكدار النجوم وتساقطها.
ولما كان هذا أهون القتل عندهم وكانوا يظنون أنه مم لا عبرة به، بين أنه معتنىً به وأنه لا بد من بعصها وجعلها بحيث تعقل وتجيب وإن كان نفخ الروح فيها في زمن يسير فقال :( سئلت ) أي وقع سؤالها عما يليق أن تسأل عنه، ثم قيل على طريق الاستئناف تخويفاً للوالدين :( بأي ) أي بسبب أيّ ) ذنب ( يا أيها الجاهلون ) قتلت ) أي استحقت به عندكم القتل وهي لم تباشر سوءاً لكونها لم تصل إلى حد التكليف، فما ظنك بمن هو فوقها وبمن هو جان، وسؤالها هو على وجه التبكيت لقاتلها، فإن العرب كانت تدفن النبات أحياء مخافة الإملاق أو لحوق العار بهن، ويقولن : نردها إلى الله هو أولى بها، فلا يرضون البنات لأنفسهم ويرضونها لخالقهم، وكان فيهم من يتكرم عن ذلك ومن يفدي الموءودات ويربيهن، وليس في الآية دليل على تعذيب أطفال الكفرة ولا عدمه، فإن الكافر الذي يستحق الخلود قد يكون مستأمناً فلا يحل قتله، والأطفال ما عملو ما يستحقون به القتل، ويؤخذ من سؤال المؤدة تحريم الظلم لكل أحد وكف اليد واللسان عن كل إنسان.
التكوير :( ١٠ - ١٩ ) وإذا الصحف نشرت
) وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ وَإِذَا السَّمَآءُ كُشِطَتْ وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّآ أَحْضَرَتْ فَلاَ أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ الْجَوَارِ الْكُنَّسِ وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ( ( )
ولما دل هذا على عموم السؤال، ذكر ما ينشأ عنه مما يدل على النعيم أو النكال فقال :( وإذا الصحف ) أي الأوراق التي كتبت فيها أعمال العباد ) نشرت ) أي فرقت مفتحة تفتيحاً عظيماً على أربابها بأيسر أمر فتأتي السعيد في يمينه من تلقاء وجهه على وجه يكون فيه بشارة له، وتأتي الشقي من وراء ظهره وفي شماله بعد أن كانت طويت