صفحة رقم ٣٤١
بالنهار تحت ضوء الشمس، من كنس الوحش إذا دخل كناسه وهو بيته المتخذ من أغصان الأشجار، وقال الرازي : يكنس ويستتر العلوي منها بالسفلي عند القرانات كما تستتر الظباء في الكناس، وقال قتادة : تسير بالليل وتخنس بالنهار فتخفى ولا ترى، وروي ذلك أيضاً عن علي رضي الله تعالى عنه، قال البغوي : وأصل الخنوس الرجوع إلى وراء والكنوس أن تأوي إلى مكانسها.
وقال القشيري : إن ذلك غروبها، وإنما نفى الإقسام بها لأنها وإن كانت عظيمة في أنفسها بما ناط بها سبحانه من المصالح وأنتم تعظمونها وتغلون فيها لأن فيها نقائص الغيبوبة وانبهار النور، والقرآن المقسم لاجله منزه عن ذلك، بل هو الغالب على كل ما سواه من الكلام غلبة هي أعظم من غلبة ضياء الشمس لنور ما سواها من الكواكب، فلذلك لا يليق أن يقسم بها لأجله.
ولما ذكر غيابها ففهم منه محله وهو النهار، ذكر محل ظهورها فأفهم الظهور فقال :( والّيل ) أي الذي هو محل ظهور النجوم وزوال خنوسها وذهاب كنوسها ) إذا عسعس ) أي أقبل ظلامه، واعتكر سواده وقتامه، فظهرت الكواكب زهراً منثوراً في بيداء تلك الغياهب، فإن فيه نقصاناً بالظلام وغير ذلك من الأحكام، وقيل : معناه أدبر، وقيل : أظلم، وقيل : انتصف، وقيل : انقضى، وسعسع بمعناه فهو ما لا يستحيل بالانعكاس، والآية من الاحتباك : ذكر خنوس الكواكب وكنوسها أولاً يفهم ظهورها ثانياً، وذكر الليل ثانياً يفهم حذف النهار أولاً.
ولما كان ربما ظن ظان أن ما نقص بالظلام عن صلاحية الإقسام يتأهل ذلك بزواله، قال نافياً لذلك :( والصبح ) أي الذي هو أعدل أوقات النهار ) إذا تنفس ) أي أضاء وأقبل روحه ونسيمه، وأنسه ونعيمه، واتسع نوره، وانفرج به عن الليل ديجوره، وذلك بعد إقبال الليل ثم إدباره أي لا أقسم به لأنه وإن كان ذا نور ونعمة وحبور وبهجة وسرور إذن ذلك يتضاءل عن نور القرآن، وما فيه من النعيم والرضوان، ( وأين الثريا من يد المتناول ) على أن تنفسه بالبرد واللطافة تنسخه الشمس بالحر والكثافة، وتنفس القرآن بنفحات القدس ونعيم المواعظ والأنس لا ينسخه شيء.
ولما بين أن هذه الأشياء التي لولاها لما طاب لهم عيش ولا تهنؤوا بحاية، وهي من الفضل بحيث لا يعلمه إلا خالقها تصغر عن أن يقسم بها على شيء من فضائل القرآن لما له من عظيم الشأن الذي لا يطيق التعبير عنه البيان، ويتضاءل دونه اللسان، قال مجيباً لذلك إخباراً عما هو محقق في نفسه الأمر أعظم من تحقق هذه الأشياء المقسم بها، هادٍ إلى مصالح الدارين أكثر من هدايتها، مبيناً للسفيرين به المليكي والبشري عليهما الصلاة والسلام والتحية والإكرام مؤكداً لما يستحقه السياق كما يستحقه مع ما له من الإنكار تنبيهاً على ضعف عقولهم وعظيم سفههم بعد أن أقسم بثلاثة


الصفحة التالية
Icon