صفحة رقم ٣٤٣
ولما كان المتمكن في نفسه قد لا يكون له أعوان، قال :( مطاع ثم ) أي في الملأ الأعلى فهم عليه السلام أطوع شيء له، قال الحسن : فرض الله على أهل السماوات طاعة جبريل عليه الصلاة والسلام كما فرض على أهل الأرض طاعة محمد ( ﷺ ).
ولما كان ذلك يقتضي الأمانة، صرح بها فقال :( أمين ) أي بليغ الأمانة فهو مصدق القول مقبول الأمر موثوق به في أمر الرسالة وإفاضة العلوم على القلوب روحاني مطهر جوهراً وفعلاً وحالاً، ومن كان بهذه الصفات العظيمة كان بحيث لا يأتي إلاّ في أمر مهم جداً لأن الملوك لا يرسلون خواصهم إلا في مثل ذلك، ولذلك ائتمنه الله تعالى على رسالته.
ولما وصفه السفير الملكي وهو جبريل عليه الصلاة والسلام بهذه الصفات الخمس التي أزالت عن القرآن كل لبس، وكان وصفه بها إنما هو لأجل إثبات شرف الرسول البشري الذي هو بين الحق وعامة الخلق، وهو النبي ( ﷺ ) بأن ما يقوله كلام الله حقاً، وكانوا يصفونه بما هو في غاية النزاهة عنه وهم يعلمون ذلك، أبطله مبكتاً لهم بالكذب وموبخاً بالبلادة بقوله زيادة في شرفه حيث كان هو المدافع عنه :( وما صاحبكم ) أي الذي طالت صحبته لكم وأنتم تعلمون أنه في غاية الكمال حتى أنه ليس له وصف عندكم إلا الأمين، وأعرق في النفي فقال :( بمجنون ) أي كما تبتهونه به من غير استحياء من الكذب الظاهر مع ظهور التناقض فعل ألأم اللئام، بل جاء بالحق وصدق المرسلين، فما القرآن الذي يتلوه عليكم قول مجنون ولا قول متوسط في العقل بل قول أعقل العقلاء وأكمل الكملاء، وهذا النفي المؤكد ثابت له دائماً على سبيل الاستغراق لكل زمان هذا ما دل عليه الكلام لا ما قال الزمخشري أنه يدل على أفضلية جبريل عليه السلام على النبي ( ﷺ ) وعلى بقية الملائكة، فإنه ما سيق لذلك ولا هو الله مما يرضي جبريل عليه السلام، قال الأصبهاني هنا : هذايدل على فضله وأما أنه يدل على أنه أفضل من جميع الملائكة ومن محمد ( ﷺ ) فلا يمكنه، وقال في قوله تعالى في البقرة :
٧٧ ( ) وملائكته ورسله ( ) ٧
[ البقرة : ٢٨٥ ] : ولم يلزم من تقديم الملائكة في الذكر تفضيلهم على الرسل، وأما تقديم جبريل على ميكائل فليس ببعيد أن يكون للشرف كما أن تخصيصهما بالذكر لفضلما، وقال في النجم : ثم دنا جبريل من ربه عز وجل، وهذا قول مجاهد يدل عليه ما روي في الحديث :( إن أقرب الملائكة إلى الله عز وجل جبريل عليه السلام ) انتهى.
ولو صح هذا الحديث لكان فيه كفاية لكن لم أجده.


الصفحة التالية
Icon