صفحة رقم ٣٥٦
( على ) في الأول والمعدى إلى اثنين في الثاني لأنه أدل على حضور صاحب الحق، فهو في غيبته أولى، فهو أدل على المرون على الوقاحة، فهما كلمتان لا أربع لأنه ليس بعد الواو ألف جمع، قال البغوي : وكان عيسى بن عمر يجعلهما حرفين يقف على كالوا ووزنوا ويبتدئ هم، قال أبو عبيدة : والاختيار الأولى، قال البغوي : يعني أن كل واحدة كلمة لأنهم كتبوهما بغير ألف باتفاق المصاحف، وقال الزمخشري : ولا يصح أن يكون ضميراً للمطففين لأن الكلام يخرج به إلى نظم فاسد، وذلك أن المعنى : إذا أخذوا من الناس اتوفوا وإذا أعطوهم أخسروا، وإن جعلت الضمير للمطففين انقلب إلى قولك : إذا أخذوا من الناس استوفوا، وإذا تولوا الكيل أو الوزن هم على الخصوص أخسروا، وهو كلام متنافر لأن الحديث واقع في الفعل لا في المباشر، والتعلق في إبطاله بخط المصحف لم يراع في كثير منه حد المصطلح عليه في علم الخط انتهى.
ولا شك أن في خط المصحف تقوية لهذا الوجه المعنوي وتأكيداً ) يخسرون ) أي يوجدون الخسارة بالنقص فيما يكيلون لغيرهم، والحاصل أنهم يأخذون وافياً أو زائداً ويعطون ناقصاً.
وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير : لما قال سبحانه وتعالى في سورة الانفطار
٧٧ ( ) وإن عليكم لحافظين كراماً كاتبين ( ) ٧
[ الانفطار : ١٠ ] الآية وكان مقتضى ذلك الإشعار بوقوع الجزاء على جزيئات الأعمال وأنه لا يفوت عمل كما قال تعالى :
٧٧ ( ) وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفا بنا حاسبين ( ) ٧
[ الأنبيا : ٤٧ ] أتبع الآية المتقدمة بجزاء عمل يتوهم فيه قرب المرتكب وهو من أكبر الجرائم، وذلك التطفيف في المكيال والميزان والانحراف عن إقامة القسط في ذلك، فقال تعالى :( ويل للمطففين ) [ المطففين : ١ ] ثم أردف تهديدهم وتشديد وعيدهم فقال :( ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم ) [ المطففين : ٤ ٥ ] ثم التحمت الآي مناسبة لما افتتحت به السورة إلى ختامها انتهى.
ولما ذكر سبحانه وتعالى أنهم أدمنوا على هذه الرذائل حتى صارت لهم خلقاً مرنوا عليه وأنسوا به وسكنوا إليه، وكان ذلك لا يكون إلا ممن أمن العقاب وأنكر الحساب، أنتج ذلك الإنكار عليهم على أبلغ الوجوه لإفهامه أن حالهم أهل لأن يتعجب منه ويستفهم عنه وأن المستفهم عن حصوله عندهم الظن، وأما اليقين فلا يتخيل فيهم لبعد أحوالهم الجافية وأفهامه الجامدة عنه فقال تعالى :( ألا يظن أولئك ) أي الأخساء البعداء الأرجاس الأرذال يتجدد لهم وقتاً من الأوقات ظن أن لم يتيقنوا بما مضى من البراهين التي أفادت أعلى رتب اليقين، فإنهم لو ظنوا ذلك ظناً نهاهم إن كان لهم نظر


الصفحة التالية
Icon