صفحة رقم ٣٦٥
ولما وصفهم في مواضع التردد والتقلب، وصفهم في المنازل فقال :( وإذا انقلبوا ) أي رجع الذين أجرموا برغبتهم في الرجوع وإقبالهم عليه من غير تكره ) إلى أهلهم ) أي منازلهم التي هي عامرة بجماعتهم ) انقلبوا ( حال كونهم ) فاكهين ) أي متلذذين غاية التلذذ بما كان من مكنتهم ورفعتهم التي أوصلتهم إلى الاستسخار بغيرهم، قال : ابن برجان : وذكر عليه الصلاة والسلام :( إن الذين بدأ غريباً وسيعود غريباً - كما بدأ، يكون القابض على دينه كالقابض على الجمر ) وفي أخرى : يكون المؤمن فيهم أذل من الأمة.
وفي أخرى : العالم فيهم أنتن من جيفة حمار - فالله المستعان.
ولما ذكر مرورهم بهم، ذكر مطلق رؤيتهم لهم فقال :( وإذا رأوهم ) أي رأى الذين أجرموا الذين آمنوا ) قالوا ) أي عند رؤيتهم للذين آمنوا مؤكدين لأنهم يستشعرون أن كل ذي عقل يكذبهم مشيرين إلى تحقيرهم بأداة القرب :( إن هؤلاء ) أي الذين آمنوا ) لضالون ) أي عريقون في الضلال لأنهم تركوا الدنيا لشيء أجل لا صحة له ) وما ) أي والحال أنهم ما ) أرسلوا ) أي من مرسل ما ) عليهم ) أي على الذين آمنوا خاصة حتى يكون لهم بهم هذا الاعتناء في بيوتهم وخارجها عند مرورهم وغيره ) حافظين ) أي عريقين في حفظ أعمال الذين آمنوا فما اشتغالهم بهم إلى هذا الحد أن كانوا عندهم في عداد الساقط المهمل كما يزعمون فما هذه المراعاة المستقصية لأحوالهم وإن كانوا في عداد المنظور إليه المعتنى به فليبينوا فساد حالهم بوجه تقبله العقول ويقوم عليه دليل أو ليتبعوهم وإلا فهم غير عارفين بمواضع الإصلاح وتعاطي الأمور على وجهها فما أحقهم بقول القائل :
أوردها سعد وسعد مستمل ما هكذا تورد يا سعد الإبل
ولما كان لا نعيم أفضل من الشماتة بالعدو لا سيما إذا كانت على أعلى طبقات الشماتة قال تعالى :( فاليوم ) أي فتسبب عن هذا من فعلهم في دار العمل أنه يكون في دار الجزاء ) الذين آمنوا ( ولو كانوا في أدنى درجات الإيمان ) من الكفار ( خاصة، وهم الراسخون في اكفر من عموم الذين أجرموا، في الحشر والجنة سخرية وهزؤاً، فإن الذين آمنوا لا يضحكون من عصاة المؤمنين لو رأوهم يعذبون بل يرحمونهم لاشتراكهم في الدين ) يضحكون ( قصاصاً وجزاء حين يرون ما هم فيه من الذل سروراً بحالهم شكراً لله على ما أعطاهم من النجاة من النار والنقمة من أعدائهم، قال أبو


الصفحة التالية
Icon