صفحة رقم ٣٦٨
ولما بدأ بالعالم العلوي لكونه أشرف لأنه أعلى مكانة ومكاناً، ثنى بالسفلى فقال تعالى :( وإذا الأرض ) أي على ما لها من الصلابة والثخانة والكثافة، وأشار بالبناء للمفعول إلى سهولة الفعل فيها عليه سبحانه وتعالى وسرعة انفعالها مع كونه أعجب من انشقاق السماء فإنه ربما كان في الشيء لوهيه من تطاول مرور الزمان عليه بخلاف المد فقال :( مدت ) أي بسطت بسط الأديم ومطت فامتطت فزيد في سعتها جداً بعد أن تمهدت فصارت دكاء فزالت جبالها وآكامها وتلالها، فلا ترى فيها عوجاً ولا أمتاً كما أن الأديم إذا مد كان كذلك فزال تثنيه واتسع.
ولما كان الجلد جديراً بأنه إذا مد أن يبين عن كل ما فيه من غيره قال :( وألقت ما فيها ) أي أخرجت ما في بطنها من الأموال والكنوز والأموات إخراجاً سريعاً كأنها تذفه قذفاً، وذلك أيضاً بكالبساط إذا نقض ) وتخلت ) أي تعمدت وتكلفت الخلو عن ذلك والترك له بغاية جهدها، أي فعل ذلك سبحانه فعلاً كانت الأرض كأنها فاعلة له على هذا الوجه، فصارت خلية عن كل شيء كان في بطنها، وصار بارزاً على ظهرها، ولما كان هذا ربما أوهم أنه بغير أمره سبحانه وتعالى قال :( وأذنت لربها ) أي فعلت ذلك بإذن الخالق لها والمربي وتأثرت في ذلك عن تأثيره لا بنفسها، وفعلت فيه كله فعل السميع المجيب ) وحقت ) أي وكانت حقيقة بذلك كما أن كل مربوب كذلك وتكرير ( إذا ) للتنبيه على ما في كل من الجملتين من عظيم القدرة، والجواب محذوف _ لأنه في غاية الانكشاف بما دل عليه المقام مع ما تقدم من المطففين وما قبلها من السور وما يأتي في هذه السورة تقديره : ليحاسبن كل أحد على كدحه كله فليثوبنّ الكفار ما كانوا يفعلون وليجازين أهل الإسلام بما كانوا يعملون.
وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير : لما تقدم في الانفطار التعريف بالحفظة وإحصائهم على العباد في كتبهم، وعاد الكلام إلى ذكر ما يكتب على البر والفاجر واستقرار ذلك في قوله تعالى :
٧٧ ( ) إن كتاب الأبرار لفي عليّين ( ) ٧
[ المطففين : ١٨ ] وقوله :
٧٧ ( ) إن كتاب الفجار لفي سجين ( ) ٧
[ المطففين : ٧ ] أتبع ذلك بذكر التعريف بأخذ هذه الكتب في القيامة عند العرض، وأن أخذها بالإيمان عنوان السعادة، وأخذها وراء الظهر عنوان الشقاء إذا قد تقدم في السورتين قبل ذكر الكتب واستقرارها بحسب اختلاف مضمناتها فمنها ما هو في عللين ومنها ما هو في سجين إلى يوم العرض، فيؤتى كل كتابه فأخذ بيمينه وهو عنون سعادته، وآخذ من وراء ظهره وهو عنوان هلاكه، فتحصلّ الإخبار بهذه الكتب ابتداء واستقراراً وتفريقاً يوم العرض، وافتتحت السورة بذكر انشقاق السماء ومد الأرض وإلقائها ما فيها وتحليها تعريفاً بهذا اليوم العظيم بما يتذكر به من سبقت سعادته والمناسبة بينة - انتهى.


الصفحة التالية
Icon