صفحة رقم ٣٧٢
إلى أهلهم انقلبوا فاكهين ( ) [ المطففين : ٣١ ]، لا يحزن أحدهم لذنب عمله ولا لقبيح ارتكبه، بل يسر بكونه يأتي له ذلك فهو يحاسب في الآخرة حساباً عسيراً، وينقلب إلى أعدائه مغموماً كسيراً، وقد بان أن الكلام من الاحتباك : ذكر الحساب اليسير الذي هو الثمرة والمسبب أولاً يدل على حذف ضده ثانياً، وذكر السرور في الأهل الذي هو السبب الثاني يدل على حذف ضده وهو سبب السعادة وهو الغم ومحاسبة النفس في الأول، فهو احتباك في احباك، ثم علل ثبات سروره فقال مؤكداً تنبيهاً أيضاً على أنه لا يصدق أن أحداً ينكر البعث مع ما له من الدلائل التي تفوت الحصر :( إنه ظن ( لضعف نظره ) أن ) أي أنه ) لن يحور ) أي يرجع إلى ربه أو ينقص أو لهلك ) ) وقالوا ما هي إلا حياتنا نموت ونحيا وما يهلكنا إلاّ الدهر ( ) [ الجاثية : ٢٤ ] فلهذا كان يعمل عمل من لا يخاف عاقبة ) بلى ( ليرجعن صاغراً ناقصاً هالكاً، ثم علل ذلك بقوله مؤكداً لأجل من ينكر :( إن ربه ) أي الذي ابتدأه إنشاءه ورباه ) كان ( أزلاً وأبداً ) به ) أي هذا الشقي في إعادته كما كان في ابتدائه وفي جميع أعماله وأحواله التي لا يجوز في عدل عادل ترك الحساب عليها ) بصيراً ) أي ناظراً له وعالماً به أبلغ نظر وأكمل علم، فتركه مهملاً مع العلم بأعماله مناف للحكمة والعدل والملك، فهو شيء لا يمكن في العقل بوجه.
الإنشقاق :( ١٦ - ١٩ ) فلا أقسم بالشفق
) فَلاَ أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَن طَبقٍ ( ( )
ولما أخبر سبحانه بإنكاره لما أتاه به الرسل من الحشر على وجه موضح للدليل على بطلان إنكاره ولم يرجع، سبب عنه الإقسام على صحة ذلك لأنه ليس عند النذير الناصح الشفوق بعد إقامة الأدلة إلاّ بالإيمان على صحة ما قال نظراً منه للمنصوح وشفقة عليه، وترك الحلف على ما هو ظاهر أبلغ من الحلف لما في ذلك الترك من تنبيه المخاطب على النظر والتأمل فقال :( فلا أقسم ) أي أحلف حلفاً عظيماً هو كقاموس البحر بهذه الأمور التي سأذكرها لما لها من الدلالة على الإبداء والإعادة، لا أقسم بها وإن كانت في غاية العظم بما لها من الدلالات الواضحة لأن المقسم عليه أجل منها وأظهر فهو غني عن الإقسام ) بالشفق ) أي الضياء الذي يكون في المغرب عقب غروب الشمس أطباقاً حمرة ثم صفرة ثم كدرة إلى بياض ثم سواد، وكذلك الليل أوله بياض بغبرة ثم تتزايد غبرته قليلاً إلى أن يسود مرباداً فيوسق كل شيء ظلاماً، سمي شفقاً لرقته ومنه الشفقة لرقة القلب ) والّيل ) أي الذي يغلبه فيذهبه ) وما وسق ) أي جمع في بطنه وطرد وساق من ذلك الشفق ومن النهار الذي كان قبله والنجوم التي