صفحة رقم ٣٨٧
( ما )، والمستثنى منه ( كل نفس ) وخبر النافية محذوف تقديره : كائنة أو موجودة أو نحوهما، والمستثنى ( نفس ) موصوفة ب ( عليها حافظ ) ويحتمل أن يكون حالاً فمحله يحتمل الرفع بأنه خبر النافي في هذا الاسثناء المفرغ عند بني نميم، والنصب بأنه خبر عند غيرهم، أو حال من ( نفس )، لأنها عامة، والتقدير : ما كل نفس موجودة إلى نفس كائناً أو كائن عليها حافظ، والنسبة بين مفهومي القراءتين أن المشدد أخص لأنها دائمة مطلقة، والمخففة مطلقة عامة، ولا يظن أن المشددة غير مساوية للمخففة، فضلاً أن تكون أخص لأن حرف النفي دخل على ( كل ) وهو من أسوار السلب الجزئي كما تقرر في موضعه فينحل إلى أن بعض النفوس ليس إلا عليها حافظ وإنما كان لا يظن ذلك لأنها تنحل لما فيها من الحصر المتضمن للنفي والإثبات إلى جملتين، إحداهما إثبات الحفظ للنفس الموصوفة والأخرى الجزئية السالبة أي ليس كل نفس عليها حافظ والسالبة الجزئية أعم من السالبة الكلية، فإذا نفيتها قلت : ليس ليس كل نفس عليها حافظ فهو سلب السلب الجزئي، وإذا سلب السلب الجزئي سلب الكلي لما تبين أنه أخف.
وإذا انتفى الأعم انتفى الأخص فلا شيء من الأنفس ليس عليها حافظ، فانحل الكلام إلى : لا نفس كائنة إلا نفس عليها حافظ، وإن كان لفظ ( ليس كل ) من أسوار الجزئية لما مضىن فصارت الآية على قراءة التشديد مركبة من مطلقة عامة هي ( كل نفس عليها حافظ ) بالفعل.
ومن سلب نقيضها وهو الدائمة المطلقة الذي هو ( دائماً ليس كل نفس عليها حافظ ) أي ليس دائماً كل نفس ليس عليها حافظ، وذلك على سبيل الحصر وقصر الموصوف على الصفة، معناه أن الموصوف لا يتعدى صفته التي قصر عليها، فأقل الأمور أن لا يتجاوزها إلى عدم الحفظ، وذلك معنى الدائمة المطلقة وهو الحكم بثبوت المحمول للموضوع ما دام ذات الموضوع موجودة، وهي على قراءة التخفيف مطلقة عامة أي حكم فيها بثبوت المحمول للموضوع بالفعل وهو الجزء الأول مما انحلت إليه قراءة التشديد، فمفهوم الآية في قراء التشديد أخص منه في قراءة التخفيف، لأن كل دائم كائن بالفعل، ولا ينعكس - هذا إذا نظرنا إلى نفس المفهوم من اللفظ مع قطع النظر عن الدلالة الخارجية، وأما بالنظر إلى نفس الأمر فالجهة الدوام فلا فرق، غير أنه دل عليها باللفظ في قراءة التشديد دون قراءة التخفيف والله تعالى أعلم.
وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير رحمه الله تعالى : لما قال الله سبحانه وتعالى في سورة البروج ) والله على كل شيء شهيد ) [ البروج : ٩ ] ) والله من ورائهم محيط (