صفحة رقم ٣٨٩
فأفهم الخروج عن مقره بقوله :( من بين الصلب ) أي صلب الرجل وهو عظم مجتمع من عظام مفلكة أحكم ربطها غاية الإحكام من لدن الكاهل إلى عجب الذنب ) والترائب ) أي ترائب المرأة وهي عظام الصدر حيث تكون القلادة، وصوبه ابن جرير، أو ما ولي الترقوتين منه، أو مابين الثديين والترقوتين أو أربعة أضلاع من يمنة الصدر، وأربعة من يسرته، أو اليدان والرجلان والعينان، وعلى كل تقدير شهوتها من أمامها وشهوة الرجل فيما غاب عنه من ورائه، ولو نزع الخاف لأفهم أن الماء يملأ البين المذكور ولم يفهم أنه يخرج عن صاحبي البين، قال البيضاوي : ولو صح أن النطفة تتولد من فضل الهضم الرابع وتنفصل عن جميع الأعضاء حتى تستعد لأن يتولد منها مثل تلك الأعضاء، ومقرها عروق ملتف بعضها بالبعض عند الأنثيين، فلا شك أن الدماغ أعظم الأعضاء معونة في توليدها، ولذلك تشبهه ويسرع الإفراط في الجماع بالضعف فيه ولو خليفة وهو النخاع وهو في الصلب، وشعب كثيرة نازلة إلى الترائب وهما أقرب إلى أوعية المني فلذلك خصا بالذكر.
وقال الملوي : فالذي أخرجه من ظروف عظام الصلب والترائب إلى أن صيره في محله من الأنثيين إلى أن دفق واعتنى بعد ذلك بنقله من خلق إلى خلق بعد كل أربعين يوماً إلى أن صيره إنساناً يعقل ويتكلم ويبني القصور، ويهدم الصخور، قادر على بعثه.
ولما علم بالحفظ والخلق في الأطوار المشار إليها أنه خلق لأمر عظيم وهو الحساب، وثبت بالقدرة على ابتدائه من هذا الماء وبتطويره في الحالات المشار إليها بذكر الماء، المعلومة لكل أحد القدرة على الإعادة بلا فرق إلا كون الإعادة على ما نعرف أسهل، وكان العرب ينكرونها، قال مؤكداً استئنافاً لمن يقول : قد نظرت في ذلك فمه :( إنه ) أي خالقه القادر على ما ذكر من شؤونه المدلول على عظمه ببناء ( خلق ) للمفعول ) على رجعه ) أي رجع الإنسان بالعبث ورده إلى حالته الأولى وخلقه الأول كما كان قبل الموت وعلى رد هذا الماء الدافق إلى مجاريه التي خرج منها وحله إلى المائية بعد انعقاده عظماً ولحماً ودماً ) لقادر ) أي لثابتة قدرته على ذلك أتم ثبات، فمن أيسر ما يكون عنده سبحانه وتعالى رده بعد شيخوخته على عقبه بأن يجعله كهلاً ثم شاباً ثم طفلاً ثم مضغة ثم علقة ثم نطفة ثم يدفعه إلى ذكر الرجل ورحم المرأة ثم غلى صلبه وترائبها وهو أهون عليه، وذلك كقدرته على رده بالبعث، وعبر ب ( أنه ) ولم يقل : إن الله - مثلاً لأنه أقعد لأنه يقال لكل إنسان : من أخرجك على هذه الهيئة فصيرك على هذه الصفة ؟ فإذا قال : القادر على كل شيء بقدرته الكاملة، قيل له : وبتلك القدرة بعينها يعيدك، ولو سمى له اسم غير الضمير لكان ربما قال : ليس هو خالقي.