صفحة رقم ٣٩١
مسكنكم الذي أنتم ملابسوه ومعانوه كل وقت وملامسوه ) ذات الصدع ) أي التي تتصدع وتنشق فيخرج منها النبات والعيون بدءاً وإعادة دلالة ظاهرة على البعث، فجمع بالقسم العالم العلوي الذي هو كالرجل والسفلي الذي هو كالمرأة، فكما أن الرجل يسقيها من مائه فتصدع عن الولد، فكذلك السماء تسقي الأرض فتتصدع عن النبات وكما أنها تتصدع عن النبات بعد فنائه وصيرورته رفاتاً فيعود كما كان فكذلك تتصدع عن الناس بعد فنائهم فيعودون كما كانوا بإذن ربها من غير فرق أصلاً.
ولما كانت هذه كلها براهين قاطعة ودلائل باهرة ساطعة على حقية القرآن إتيانه بأعلى البيان، فكان من المستبعد جداً طعنهم في القرآن بعد هذا البيان، قال تعالى منبهاً على ذلك بالتأكيد معبراً بالضمير إشارة لما مضى إلى أنه المحدث عنه الآن، فهو الثابت في جميع الأذهان لا غيبة له عن شيء منها أصلاً ) إنه ) أي القرآن الذي أخبر بهذه الإخبارات التي هي في غاية الوضوح وتقدم أنه مجيد وفي لوح محفوظ، وأن الكفرة في تكذيب به ولا سيما ما تضمن منه الإخبار بالبعث :( لقول فصل ) أي جداً يراد به فصل الأمور، وله من العراقة في الفرق بين الحق والباطل ما صار به يطلق عليه نفس الفصل، ثم أكد الأمر لشدة إنكارهم وجحدهم وتغطيتهم الحق بالباطل فقال :( وما هو ) أي القرآن في باطنه ولا ظاهره ) بالهزل ) أي بالضعيف المرذول الذي لا طائل تحته، فمن حقه ما هو عليه الآن من كونه مهيباً في القلوب معظماً في الصدور يرتفع به قارئه وسامعه عن أن يلم بهزل ويعلم به في أعين العامة والخاصة.
ولما كان ثبات هذا على هذا الوجه مقتضياً ولا بد رجوعهم عن العناد، فكان ذلك محركاً للسامع إلى تعرف ما كان من أمرهم، استأنف قوله دلالة على بقائهم على الإنكار وأكده تنبيهاً على أن بقاءهم على العناد - مع هذا مستبعد جداً ) إنهم ) أي الكفار ) يكيدون ) أي بما يعملون في أمره من الحيل ) كيداً ( في إبطاله وإطفاء نوره بإثباتك أو إخراجك أو قتلك أو تنفير الناس عنك والحال أنه لا قوة لهم أصلاً على ذلك ولا ناصر لهم بوجه من الوجوه وسمي جزاؤه لهم سبحانه كيداً مشاكلة، ولأنه خفي عنهم ومكروه إليهم فهو على صورة الكيد فقال :( وأكيد ) أي أنا بإتمام اقتداري ) كيداً ( باستدراجي لهم إلى توغلهم فيما يغضبني ليكمل ما يوجب أخذي لهم من حيث لا يشعرون.
ولما كان هذا معلماً بأنهم عدم لا اعتبار بهم، قال مسبباً عنه تهديداً لهم يا له من تهديد ما أصعبه :( فمهل ) أي تمهيلاً عظيماً بالتدريج.
ولما كان في المكذبين في علم الله من يؤمن فليس مستحقاً لإيقاع مثل هذا التهديد، عبر بالوصف المقتضي للرسوخ فقال :


الصفحة التالية
Icon